بيان أعظم أنواع الزواج بركة وبيان حكم دفع المهر في الزواج ومقداره
عن - رضي الله عنها -، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة رواه "إن أعظم النكاح بركة، أيسره مؤنة" في "شعب الإيمان" . البيهقي
قيل: معناه: أحسن الزوجة: أرضى باليسير.
وفيه دلالة على أن أعظم البركة في الزواج أن يكون بذل المال فيه قليلا، ولا يسرف فيه، ولا يبذر، كما يفعل الأعاجم، رفعة للاسم، وشهرة في الرسم.
وعن أبي سلمة - رضي الله عنه، قال: - رضي الله عنها-: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية، وهي أربعون درهما ونش. قالت: أتدري ما النش ؟ قلت: لا. عائشة
قالت: نصف أوقية، فتلك خمس مئة درهم" رواه سألت ونش - بالرفع - في "شرح السنة" وفي جميع الأصول. وهو - بالفتح، وتشديد المعجمة -: النصف من كل شيء، ونصف الرغيف: نشه مسلم.
وفي الحديث: دليل على وإشارة إلى أن المغالاة فيه مكروه. تقليل مقدار المهور،
قال في "الروضة الندية" : ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسوغ نكاحا [ ص: 435 ] بدون مهر أصلا، وفي الكتاب: المهر واجب، وآتوا النساء صدقاتهن نحلة [النساء: 4].
وفي حديث عند ابن عباس أبي داود، والنسائي، وصححه: والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع عليا أن يدخل بفاطمة، حتى يعطيها شيئا.
قال: ويكره أي: يحرم; لحديث: المغالاة فيه; "خير الصداق أيسره" أخرجه أبو داود، وصححه من حديث والحاكم عقبة بن عامر.
وقال فيمن تزوج على أربع أواق: أخرجه "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل" عن مسلم أبي هريرة.
ولهذا، يصح ولو خاتما من حديد، أو تعليم قرآن.
وعن - رضي الله عنه، قال: عمر بن الخطاب رواه ألا لا تغالوا صدقة النساء; فإنها; أي: المغالاة لو كانت مكرمة في الدنيا; أي: مما يحمد به فيها، وتقوى عند الله، لكان أولاكم به نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه، ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية" أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.
فيه نهي عن غلى الصداق.
وأما ما روي: أن صداق كانت أربعة آلاف درهم، فهو مستثنى منه; لأنه أصدقها أم حبيبة في الحبشة من غير تعيين منه. كذا قيل. النجاشي
وعندي: أن حد المهر هو ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم في أزواجه وبناته، فهو أفضل أنواع الصداق بلا ريب.
وأما سكوته صلى الله عليه وسلم على صداق وتقريره إياها عليها، ففي هذا دلالة على أن إباحة الأكثر منه إلى هذا الحد، وما زاد على ذلك، فهو داخل في المغالاة والسرف بفحوى الخطاب. أم حبيبة،
[ ص: 436 ] قال في "المرقاة" : فإن قلت: نهيه عن المغالاة مخالف لقوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا .
قلت: النص يدل على الجواز، لا على الفضيلة، والكلام فيها، لا فيه. انتهى.
قلت: وقد جوز الفقهاء المغالاة فيه عند القدرة عليه، ولكن الحق هو قلة الصداق.
ومن مفاسد المغالاة: ما يرى في أهل الزمن من عدم الوفاء بها أبدا، وطلب العفو من الزوجة، فإن شاءت عفت، وإن شاءت أبت، وبقي الحق على الزوج، وصار رهينا به عند الله.
ومنهم من يزعم أن المهر شيء صار عرفا، ولا يلزم عليه، بل هو على رضاه، إن شاء أعطى، وإن لم يشأ لم يعط، فيسارع إلى إيثار المغالاة فيه، بلغ ما بلغ، ظنا منه أنه لا يؤديه أبدا، مع أن الوفاء به واجب.
ولا جبر عليها في العفو، بل لها أن تمتنع من القربة إلا إذا أخذت صداقها كما حققه صاحب "دليل الطالب" ، وهو أول شيء يقضى به لها بعد وفاة الزوج، ويقدم على غيره من الحقوق والأقراض.
وتساهل الناس في ذلك معصية، وعدم مبالاتهم في مغالاته بدعة محرمة، وعاقبة ذلك وخيمة، يؤدي الزوج وغيره إلى هلكة المال والبيت، وضياع كل شيء في يده، ويفضي إلى فقر الأولاد، وتنازع الأقارب، وغيرها من المفاسد، التي يعرفها كل عارف بأحوال الناس.
أنها كانت تحت أم حبيبة: عبد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهرها عنه أربعة آلاف. النجاشي وفي رواية: عن رواه أربعة آلاف درهم. وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة. أبو داود، والنسائي.
[ ص: 437 ] فيه: جواز زيادة المهر على مهور الأزواج والبنات النبوية، لكن إلى هذا الحد، ويكره المغالاة فيه فوق هذا المقدار.
والأول أفضل وأعظم بركة، والآخر مباح سائغ; لأن الأول فعل النبي صلى الله عليه وسلم واختياره.
ويؤيده قوله في الحديث المتقدم: . والآخر تقريره فقط، والتقرير إنما يدل على الجواز، دون الأفضلية. "أيسر مؤونة"
والكلام على هذه المسألة مبسوط في المبسوطات; كـ: "الروضة الندية" ، ونحوها.