الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في دخول الإيلاء على من حلف بالطلاق ليفعلن

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن حلف بطلاق امرأته ليجلدن غلامه جلدا يجوز له، ثم باع الغلام قبل أن يجلده: يوقف عن امرأته، ويضرب له أجل المولي، فإن لم يرجع إليه العبد، طلق عليه، فإن ارتجع كانت رجعته موقوفة، فإن ملكه وضربه، صحت رجعته، وإن لم يملكه حتى انقضت العدة بانت وبطلت رجعته، فإن تزوجها عاد عليه الوقف، فإن ملكه وجلده برت يمينه.

                                                                                                                                                                                        والخلاف في هذه المسألة في أربعة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل تطلق عليه بنفس بيع العبد.

                                                                                                                                                                                        والثاني: هل يبر بضربه وهو في ملك المشتري.

                                                                                                                                                                                        والثالث: هل تصح رجعته إذا رضيت الزوجة ولم يملك العبد.

                                                                                                                                                                                        والرابع: هل يجوز تزويجه امرأته تلك أو يكون فاسدا.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن دينار هو حانث ساعة باع العبد، وقد وقع عليه الطلاق وجعل يمينه على ذلك الملك، وحمل ابن القاسم اليمين على مجرد اللفظ في [ ص: 2396 ] قوله: لأضربنه، ولم يفرق بين ذلك الملك ولا غيره.

                                                                                                                                                                                        ولو جنى عند المشتري جناية فمكنه المشتري من عقوبته لبر على قول من حمل الأيمان على موجب اللفظ؛ لأنه ضربه ضربا يجوز له، ولو ارتجع زوجة وهي في العدة ولم يملك العبد فرضيت بالرجعة كانت رجعة صحيحة عند ابن القاسم، وليست برجعة عند سحنون. وأجاز ها هنا أن يتزوجها بعد انقضاء العدة، وإن كان نكاحا يمنع فيه من الإصابة، وهو موقوف عن الزوجة إلى أن يملك العبد وهو لا يدري هل يملكه أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن تزوج صغيرة على أنه إن تزوج عليها، فأمر التي يتزوج بيدها، فتزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، قال: نكاحه فاسد. يريد: لما كان ممنوعا من الوطء إلى أن تكبر الصغيرة، وهذا أحسن.

                                                                                                                                                                                        ولو حلف بالطلاق ليحجن ولم يوقت عاما بعينه- كان له أن يصيب زوجته ما بينه وبين خروج الناس، فإذا أمكنه الخروج منع. وقال أيضا: إذا جاء وقت إن خرج لم يدرك الحج منع، وإن جاء وقت خروج الناس فكان خوف من اللصوص أو أعسر الحالف لم يمنع من زوجته. وإذا لم يكن مانع ورفعت أمرها [ ص: 2397 ] إلى السلطان وقامت بقرب فوت الحج كان لها أن تطلق عليه من غير أجل؛ لأنه لا يقدر على أن يفي بالحج في أجل الإيلاء، وقيل: يضرب له الأجل رجاء أن تصبر. وإن كان قيامها بعد أن مضت مدة، وكان يقدر على أن يأتي بالحج في أجل الإيلاء- لم يعجل عليه بالطلاق، وكذلك إذا كان لا يأتي به في الأجل، ولكنه يأتي به في العدة، فإنه لا يعجل عليه بالطلاق.

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية: لا يصيب زوجته من أول حلفه حتى يحج، فإن قال: بيني وبين ذلك زمان، قلنا له: فأحرم واخرج وأهل، فإنها إن رفعت ذلك ضرب له أجل المولي. وهذا هو الصواب، ولا يكون أعلى رتبة ممن ضرب لبره أجلا، فقد قيل: إنه لا يصيب إذا لم يمكن من الإصابة كان لها أن تقوم به من الآن، ويعتبر أمره في أول مرة على ما تقدم في العام الثاني أنه ينظر فيه، فإن ضرب له أجل المولي عندما رفعته هل يقدر على الإتيان بالحج في الأجل أو في العدة إن طلق عليه بعد أجل الإيلاء؟ فإن كان يقدر على ذلك لم يعجل بالطلاق، وإلا عجل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في كتاب محمد أنه إذا كانت له إصابة في أول عام ثم فاته حج ذلك العام، هل يعود إلى الإصابة؟ ومثله إذا حلف ليخرجن إلى بلد سماه في وقت لا يمكنه الخروج. قال محمد: للصوص، أو لأنه لا يجد كراء، فإنه لا يمنع من زوجته، فإن أمكنه الخروج حيل بينه وبينها، فإن عاد امتناع الطريق قبل الخروج، عاد إلى الإصابة على أحد القولين.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن قال: امرأتي طالق إن حج فلان أو إن سافر فلا شيء عليه، [ ص: 2398 ] ولا يمنع حتى يحج أو يسافر فيحنث- يريد: لأنه على بر -، قال: ولو قال: امرأته طالق إن لم يحج فلان لم يمنع من امرأته حتى يأتي إبان الحج، فإن حج فلان وإلا طلق عليه، وإن خرج وقت الحج ولم يخرج طلق عليه مكانه، وليس بمنزلة الذي حلف على نفسه ليحجن فيذهب وقت الحج، فهو مول.

                                                                                                                                                                                        فحمل يمين الحالف على غيره ليحجن أنه إنما يريد: هذا العام، وليس القصد أن يتأخر حتى يموت المحلوف عليه، كان الحالف حيا أو ميتا.

                                                                                                                                                                                        ولو حلف بالطلاق أنه لا يصيب زوجته حتى يحج أو يخرج إلى بلد كذا- كان موليا، وليس كالأول؛ لأن ذلك حلف ليحجن، ولم يحلف على ترك الوطء، وهذا حلف على ترك الوطء حتى يحج، وإن حلف بالطلاق ليخرجن إلى بلد كذا - كان ممنوعا من الوطء حتى يأتي ذلك البلد، ويصل إليه، ولا يبر بنفس الخروج إليه. وقال محمد: إن خرج من فوره لم يمنع من زوجته كما لو قال: أنت طالق إن لم أهجر فلانا شهرا فمضى في هجرته لم يمنع المصاب؛ لأنه على بر، والأول أحسن؛ لأنه إنما غر في الماضي، وهو على حنث في الباقي حتى يوفي به.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية