الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف ليكلمن فلانا وفلان غائب]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حلف ليكلمن فلانا وفلان غائب، فقال محمد: لا يوقف على الوطء حتى يقدم فلان ولو أقام أبدا أو مات قبل أن يقدم لم يكن عليه شيء.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: لو حلف بطلاق امرأته ليكلمن فلانا أو ليقضينه حقه وبينه وبينه أكثر من أربعة أشهر فليس بمول، ولا يضرب له أجل المولي إذا لم يفرط [ ص: 2399 ] في الخروج؛ لأنه لا يمنع من الوطء. فجعل عليه أن يخرج إليه، فإن فرط لم يصب، ومرة لم ير ذلك ورآه في سعة حتى يقدم فلان.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا كانت اليمين ليكلمنه وكانت غيبة المحلوف عليه على وجه السفر ليعود- ألا يكون عليه أن يخرج إليه، وهو على يمينه حتى يقدم، فإن كان هناك مسكنه، ومقامه بذلك الموضع أن يخرج إليه ليبر، وأما القضاء فإن كان الحق عينا حيل بينه وبين زوجته حتى يرفع إلى السلطان أمره، ويقضي ذلك الحق، ويبرئه منه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا حلف ليكلمن فلانا أو لا يركبن هذه الدابة وإذا كان الدين عرضا يجب قضاؤه ببلد الحالف، فإن كان القضاء ببلد المحلوف عليه كان عليه أن يخرج أو يوكل من يقضي عنه، ويمنع من أهله حتى يقضي، أو يخرج وكيله بفور يمينه فيجوز له أن يصيب أهله على أحد القولين.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذا الأصل فيمن حلف بالطلاق ليكلمن فلانا أو ليركبن هذه الدابة أو ليدخلن هذه الدار أو ليتزوجن، فقيل: يحال بينه وبين زوجته على أي وجه كان يمينه، وسواء ضرب أجل أم لا. وقيل: إن ضرب أجلا لم يمنع وإن لم يضرب أجلا منع. [ ص: 2400 ]

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد: لا يمنع إذا حلف ليكلمن فلانا أو ليركبن هذه الدابة، وإن لم يضرب أجلا لأن حياتهما كالأجل ويمنع فيما سوى ذلك إذا لم يضرب أجلا.

                                                                                                                                                                                        ولابن كنانة عند ابن حبيب عكس ذلك: أنه يمنع في الكلام والركوب، ولا يمنع في التزويج ودخول الدار؛ لأن ذلك مما لا يفوت فعله إلا بموته، فأشبه من قال: أنت طالق بعد موتي.

                                                                                                                                                                                        والقول الرابع أنه إذا لم يتمكن له فعل ما حلف عليه كالذي حلف ليخرجن إلى بلد فحيل بينه وبين الخروج أو كانت يمينه ليتزوجن فلانة فلم يزوجوه- لم يحل بينه وبين زوجته.

                                                                                                                                                                                        وأرى المنع في جميع هذه الوجوه على وجه الاستحسان لما ضارع الطلاق إلى أجل، لإمكان ألا يبر في يمينه فيقع عليه الحنث بعقد اليمين المتقدم ولا يجب ذلك؛ لأن حل العقد بيده إن شاء فعل وبر في يمينه، وإن شاء لم يفعل، ويكون كالذي اختار إيقاع الطلاق لما كان له أن يفعل، فلا يحنث، وفارق بهذا الطلاق إلى أجل؛ لأن ذلك لا وجه له في رفعه.

                                                                                                                                                                                        وقد قال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن حلف بالطلاق إلى أجل ليفعلن: إن ترك الوطء محدث، وليس من الأمر القديم. يريد: أنه لم تكن الفتيا تمنع من ذلك، وهذا على أن الطلاق إلى أجل مختلف فيه، وقول ابن كنانة في هذا أحسن؛ لأنه إنما يؤمر بالكف من كان يترقب من الحنث في الحياة، وسواء ضرب أجلا أو لم يضرب، ولا يؤمر بذلك من كان لا يحنث إلا بموت نفسه أو موت زوجته. [ ص: 2401 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية