الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الموضع الذي يلتعن فيه وفي وقته]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الموضع الذي يلتعن فيه وفي وقته، فقال في المدونة: في المسجد وعند الإمام، وقال عبد الملك في المبسوط: في المسجد أو عند الإمام. يريد: أن يكون في أحد هذين: المسجد وإن لم يكن إمام، أو الإمام وإن لم يكن مسجد.

                                                                                                                                                                                        وأما الوقت فقال ابن القاسم: في دبر الصلوات بمحضر من الناس. وفي كتاب محمد: وأي ساعة من النهار إن شاء الإمام، وعلى إثر المكتوبة أحب إلي.

                                                                                                                                                                                        وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: كان عندنا بعد العصر ولم [ ص: 2433 ] يكن سنة، وأي ساعة شاء الإمام لاعن، وبعد العصر أحب إلي.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون اللعان في الجامع، وحيث يعظم منه، وليس يبعد أن يكون عند القاضي والفقيه الجليل، ويجمع الناس لذلك؛ لأن الترهيب يقع بذلك، وأما ما كان من لعان عويمر في المسجد بمحضر من النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فيحتمل أن يكون لو كانت النازلة، وسؤاله وهو في غير المسجد، للاعن بينهما في مكانه أو يبعثهما إلى المسجد أو يحضر معهما، وإذا احتمل ذلك لم يؤخذ من الحديث أصل بين.

                                                                                                                                                                                        وكونه دبر الصلوات حسن، لقول الله سبحانه: تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله [المائدة: 106] فجعل لليمين بعد الصلاة تأثيرا وحقا للطالب أن يحضره لليمين في ذلك الوقت، وأما قوله بعد العصر فلقوله سبحانه: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [آل عمران: 77] فأخرج البخاري ومسلم أنها نزلت فيمن حلف بعد صلاة العصر في سلعة لقد أعطى فيها ما لم يعط.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن شعبان: بعد العصر والصبح. [ ص: 2434 ]

                                                                                                                                                                                        وأظنه ذهب في ذلك لأنهما مشهودتان، يشهدهما ملائكة الليل، وملائكة النهار، للحديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح".

                                                                                                                                                                                        وكذلك ينبغي أن تكون الأيمان في القسامة وما يعظم من الأموال والجراح.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أحد الزوجين مريضا أحلف في مكانه ذلك الوقت، وإن كانت الزوجة حائضا أخرت حتى تطهر؛ لأن الحائض تمنع من المسجد، ولأن اللعان في أحد القولين طلاق، والطلاق في الحيض ممنوع، وإن أحب الزوج أن يلتعن وتؤخر هي حتى تطهر، جاز ذلك، وإن قال بعد التعانه: أنا أرضى أن تلتعن هي في غير المسجد، لم يكن ذلك له: لأن التعانهما يتعلق به حق لله سبحانه، وهو الحد، إن نكلت فليس للزوج أن يسقط ما يتعلق بذلك من الترهيب في الجامع، ولو رضيت هي بالتعانه في غير الجامع لم يكن لها ذلك إذا كان التعانه لنفي الحمل: لأنه حق للولد، فقد ينكل عن اليمين في الجامع، ولا ينكل إن لم يحلف فيه. [ ص: 2435 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية