الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اللعان بين الزوجين الحرين، وإذا كان أحدهما عبدا أو كافرا أو غير بالغ، أو كانت الزوجة يائسة أو الزوج عنينا أو حصورا أو خصيا أو مجبوبا أو شيخا فانيا أو أعمى أو أخرس

                                                                                                                                                                                        اللعان يجب بين الزوجين دون ملك اليمين، ثم هو على أقسام:

                                                                                                                                                                                        فإن كان الزوجان حرين مسلمين بالغين، والزوجة محصنة غير يائسة وجب اللعان بينهما إن قامت بحقها، فإن التعنا وقع الفراق، وإن نكل حد حد القذف ثمانين وبقيت زوجة، فإن لاعن ونكلت حدت حد الزنى مائة جلدة إن كانت بكرا، ولم يدخل بها وبقيت زوجة، وإن كانت ثيبا رجمت، وكذلك إن كانت الزوجة حرة والزوج عبدا يجب عليه اللعان، فإن نكل حد حد القذف، وإن لاعن ونكلت وجب عليها بالتعانه حد الزنى: الجلد أو الرجم، وإن كانت الزوجة مسلمة، والزوج نصرانيا؛ لأنها أسلمت دونه أو تعدت وتزوجته على القول إنها لا تكون بتزوجه زانية وجب عليها اللعان لقذفها، وإن نكل حد حد القذف، وإن لاعن ونكلت لم تحد بأيمان الكافر؛ [ ص: 2436 ] لأن الأيمان مقام الشهادات.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولا لعان بين الحر والأمة، والمسلم والنصرانية إلا في نفي الحمل .

                                                                                                                                                                                        وإن نكل لحق به الولد، ولم يحد، وإن لاعن وجب على الأمة اللعان، فإن لاعنت وقعت الفرقة، وإن نكلت حدت حد الزنى خمسين، وبقيت زوجة، وسواء كانت مدخولا بها أم لا، وإن كانت نصرانية لم يجب عليها إذا لاعن أن تلاعن وبقيت زوجة.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن التعنت وقعت الفرقة، وليس وقوع الفرقة بالبين، وإذا لم تكن نصرانية داخلة في قوله -عز وجل-: ويدرأ عنها العذاب [النور: 8] وأن المراد بالآية المسلمة، وأن لا عذاب على هذه، كان من حق الزوج أن يمنعها اللعان، وتبقى زوجة، فإن التعنت لم يقع بذلك فراق؛ لأنها أوقعت اللعان في غير موضعه، وإن كان الزوج غير بالغ لم يكن بينهما لعان؛ لأن قذفه لا يلزمه به حد، فإن أتت بولد لم يلحق به، ويفترق الجواب إذا كان بالغا وهي غير بالغ، فإن كانت في سن من لا يطيق الرجال لم يكن عليه شيء؛ لأن قذفه إياها لم يلحق بها معرة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت في سن من يطيق ولا يخشى منها حمل، فقال ابن القاسم: يلاعن، فإن نكل حد ولا لعان عليها إن لاعن: لأنها إن أقرت بما [ ص: 2437 ] رماها به، أو قامت عليها به بينة لم تحد.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: لا حد على قاذف من لم يبلغ من الإناث . فعلى هذا لا يجب عليه لعان ولا حد، ويجري فيها قول ثالث: إنه يحد ولا يلاعن قياسا على أحد قولي مالك إن اللعان لا يكون إلا لنفي الحمل خاصة.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت في سن من يخشى منها الحمل، كان له أن يلاعن قولا واحدا إن ادعى رؤية؛ لأنه يخشى الحمل، وإنما الخلاف هل يجب ذلك عليه؟

                                                                                                                                                                                        فعلى قول مالك يجب بحقها في القذف، وعلى قول عبد الملك لا يجب؛ لأنه لا يحد قاذفها، وله أن يلتعن إن أحب ويوقف أمرها، فإن ظهر حمل لم يلحق به، ووجب عليها اللعان؛ لأن الحمل لا يصح إلا من بالغ، فظهور الحمل يبين أنها كانت بالغا حين وطئت، فإن نكلت حدت حد البكر، لإمكان أن يكون بلوغها بعد إصابة الزوج وقبل الإصابة التي رماها به، ولو لم تقم هي بقذفها حتى ظهر الحمل وجب عليها اللعان قولا واحدا، فإن نكل حد؛ لأنه قذف بالغ ولحق به الولد، وإن لاعن وجب عليها اللعان، فإن نكلت حدت حد البكر، وإن كانت ممن قعدت عن المحيض وادعى رؤية، تلاعنا على قول ابن القاسم وأحد قولي مالك، وعلى القول أن اللعان لنفي الحمل خاصة يحد الزوج ولا يلاعن. [ ص: 2438 ]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في امرأة الخصي والمجبوب تحمل وهو ينكر، فإن كان لا ينزل كان ولد زنى، ولا لعان بينهما إلا أن يدعي رؤية فيلتعن لمكان القذف، وإن اختلف فيه أهل النظر، فقال بعضهم: يولد لمثله. وقال بعضهم: لا يولد له لم يكن بد من اللعان.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إن كان مقطوع الأنثيين والذكر لم يلحق به ولا يلاعن وتعتد زوجته إن مات، ولا تعتد إن طلق، وإن بقي أنثياه، أو اليسير أو معه من عسيبه بعضه لحق به، ولاعن، واعتدت من الطلاق.

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى رؤية وكان لا يحمل له لاعن على أحد القولين وحد على القول الآخر، ولا يلاعن.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: إن كان شيخا كبيرا أو عنينا، كان عليه اللعان في الرؤية وفي نفي الحمل: لأنها تدعي أنه يصيب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة: في الأخرس يقذف امرأته بالإشارة أو بالكتابة يلتعن إذا فقه ما يقول، وما يقال له.

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية فيمن ادعى رؤية، وزوجته بكماء صماء لا تسمع ولا تفهم، قال: يعمل منها على ما يفهم وتفهم من الإشارة، فإن صدقته إذا التعن حدت فإن التعن ثم التعنت بالإشارة، فإن نكلت حدت. [ ص: 2439 ]

                                                                                                                                                                                        ويلاعن الأعمى إذا نفى الحمل؛ لأنه يدعي الاستبراء، وكذلك إن لم ينف حملا، فقال: مسست.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قذفها، ولم يدع استبراء ولا مسيسا، فقال ابن القاسم: يلاعن، لعموم قوله -عز وجل-: والذين يرمون أزواجهم وقال مالك: يحمل ذلك في دينه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القصار عن مالك: إنه لا يصح أن يلاعن إلا أن يقول: لمست فرجا في فرجها. وهذا أحسن؛ لأن لعان الزوج يوجب حدها، وهو مقام البينة، وإذا كان ذلك لم يجز أن تحد؛ لأن ذلك أمر مشكوك فيه، ومن قذف زوجته برؤية وهي غير محصنة؛ لأنها ممن ثبت زناها قبل ذلك - لم يكن عليه لعان؛ لأنه لو أقر أنه كذب عليها لم يحد، وإذا أحب لاعن، فإن لاعن وجب عليها اللعان، ووقع الفراق إن التعن، فإن انتفى من حملها ولم يلتعن، ألحق به ولم يحد، وإن التعن لم يلحق به، ولاعنت. [ ص: 2440 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية