الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في إنكار حمل الزوجة غير المدخول بها فتصدقه]

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الزوجة غير مدخول بها فأنكر الحمل وصدقته صدق بغير لعان على قول مالك وابن القاسم، وقال ابن الماجشون في كتاب محمد: لا ينفيه إلا بلعان.

                                                                                                                                                                                        الأول أحسن؛ لأنه لم يعلم خلوة ولا ادعت ذلك، وإن ادعت أنه منه لم ينفه إلا بلعان، يلتعنان جميعا، إلا أن تأتي الزوجة به لأقل من ستة أشهر من يوم العقد، وهو غائب، وبينهما من المسافة ما إن قدم بعد العقد كان الباقي أقل من ستة أشهر أو أكثر، ويشهد من هو بينهم أنه لم يغب طول تلك المدة أو غاب ما لا يكون مدة لذهابه ورجوعه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصداق إذا أتت به لما يشبه وتلاعنا، فقال في المدونة: لها [ ص: 2453 ] نصف الصداق، وقال ابن الجلاب: لا شيء لها.

                                                                                                                                                                                        وقد يحمل هذا على القول أن اللعان فسخ، والأول على القول أنه طلاق، فإن نكل حد، ويكون الصداق عليه وبقيت زوجة، وإن لاعن ونكلت حدت حد البكر، وبقيت زوجة، فإن طلق لم يكن عليه سوى النصف، وإن لم يطلق لم يمسها حتى تضع، إلا أن يقر الزوج أن الحمل كان قبل عقد النكاح فيؤخذ بإقراره، ولا تقر تحته، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر فسخ النكاح، ولا شيء لها من الصداق، دخل أو لم يدخل؛ لأنها غارة تعلم بما أحدثت، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر، وكان في حين العقد غائبا ولم يمر من الزمان ما يقدم فيه؛ ثبت النكاح، ويحمل على أنه حدث بعد العقد، وهذا على المشهور من أصل مالك، ولو قيل: يفسخ ويحمل على أنه متقدم لكان وجها؛ لأن الوضع لستة أشهر من النادر.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا في وقت العقد، فقال: تزوجتك مذ خمسة أشهر، وقالت: مذ سبعة، وقد أتت بولد، تلاعنا، فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين ما تزوجتها إلا مذ خمسة أشهر، وتقول هي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ما تزوجني إلا منذ سبعة أشهر، وإنه لمنه.

                                                                                                                                                                                        وإن طلق قبل البناء، وتصادقا على أنه لم يصب، ثم ظهر حمل لستة أشهر فأكثر، فإنهما لا يخلوان من أن: يتماديا على نفي الإصابة، أو يرجعا إلى أنه أصاب، أو يرجع هو وحده، ويقول: أصبت وتنكر هي، أو تدعي الإصابة وينكر هو. [ ص: 2454 ]

                                                                                                                                                                                        فإن تماديا على نفي الإصابة صدق بغير لعان، وحدت حد البكر.

                                                                                                                                                                                        وإن رجع ألحق به الولد، وأكمل الصداق، وله الرجعة إن لم تكن وضعت.

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى الإصابة وأنكرت لحق به الولد، وحدت حد البكر، لإقرارها على نفسها، وأكمل لها الصداق إن أحبت.

                                                                                                                                                                                        وإن أنكر الإصابة وادعتها لاعن، فإن نكل أكمل الصداق ولحق به الولد، وإن لاعن ونكلت حدت حد البكر، وإن ظهر الحمل بعد موته وادعت أنه منه ألحق به وورثت.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ميراثها وإكمال الصداق، فقال ابن القاسم: لا ميراث لها، ولا يكمل الصداق.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: ترثه، ويكمل لها الصداق، إلا أن يكون طلاقه ثلاثا، فيكمل الصداق ولا ترث.

                                                                                                                                                                                        وإن مضت على قولها أنه لم يصب صدقت، ولم يلحق به، وهو ظاهر قول ابن القاسم؛ لأنه قال: يلحق به الولد: لأنها لم تثبت على قولها وتصديقها، فيتم سقوط الولد، وإن ظهر الحمل في حياة الزوج وأنكره وكذبته ولم يلتعن حتى مات، لحق به الولد، قاله ابن القاسم وأشهب، قال أشهب: ويكون لها الصداق، فإن قال: الولد مني، ولم أدخل -لحق به، لقوله: هو مني، وحد [ ص: 2455 ] لقوله: لم أصبها.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن قال لزوجته: أقررت عندي أنك زنيت، حد ولم يلاعن، وكذلك إن قال: رأيتك تزني قبل أن أتزوجك حد ولم يلاعن، وإن قال: لم أجدها عذراء لم يجب فيه حد ولا لعان؛ لأن العذرة تذهب من القفزة، ومن غير فعل سوء.

                                                                                                                                                                                        وإن أنكر لون ولده لم يلاعن ولم يحد، للحديث أن أعرابيا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وإني أنكرته. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل لك من إبل؟ ". قال: نعم. قال: "فما ألوانها؟ ". قال: حمر. قال: "فهل من أورق؟ ". قال: إن فيها لورقا. قال: "فأنى ترى ذلك جاءها؟ ". قال: لعل عرقا نزعها. قال: "فلعل هذا عرق نزعه"، ولم ير عليه نفيه بذلك.

                                                                                                                                                                                        ولا أرى عليه -في قوله- شيئا؛ لأنه إنما ظن أنما ذلك يكون لسبب، ونزوع العرق أن يكون بعض الأجداد -وإن بعد- أسود، فيكون ذلك في [ ص: 2456 ] بعض الأولاد.

                                                                                                                                                                                        وانظر إذا كان الأبوان أسودين قدما من الحبشة، فولدت أبيض هل ينفيه بذلك؛ لأنها لا يظن أنه كان في آبائه أبيض؟

                                                                                                                                                                                        وإن قال: ما أصبتها منذ سنة، وليس الولد مني، فإنه يلحق به، ولا يحد؛ لأن لحوق الولد لأربع سنين لا يعرفه كثير من الناس، وكذلك إذا أنكر الولد، وقال: كنت أعزل أو أصيب في الدبر.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وكذلك كل موضع لو نزل عنه شيء لوصل إلى الفرج فإنه يلحق به الولد. يريد: إذا أصاب بين الفخذين وما أشبه ذلك فإن الولد يلحق به، ولا لعان عليه ولا حد؛ لأن النفي إنما كان أنه ظن ألا يكون عن وطئه حمل.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا وطئ جاريته فأنزل ثم أصاب امرأته ولم ينزل فحملت به، فإن الولد يلحق به، ولا لعان له، فقد يكون الحمل لفضل ما في إحليله من الماء الأول.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن طلق امرأته فقالت: إني حامل، فقال: استأجر امرأة تكون معها؛ لأنها ليست بمأمونة، فجعل معها امرأة فاسترابت، فقال: كنت اعترضت عنها ولا أعلم أنه كان مني إليها شيء. قال مالك: ويحتجون عليه بأنهم قد جعلوا معها أمينة، قال: جهلت ذلك، فإن لم يأتوا بالبينة لاعن، وإن [ ص: 2457 ] جاءوا بالبينة كان الولد منه، ولا حد عليه فيما قال؛ لأنه ما نفى ولدها، ولا قال: رأيتها تزني، وإنما قال: لا أعلم أني أصبتها، وقد تحمل المرأة ولا يبلغ ذلك منها. انتهى قوله.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية