الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن حلف ليتزوجن على زوجته هل يبر بتزويج غير الأكفاء أو بالأمة أو بالعقد دون الدخول

                                                                                                                                                                                        ومن حلف ليتزوجن على زوجته فتزوج حرة مثلها من مناكحة تزويجا صحيحا وبنى بها قبل أن يطلقها- بر في يمينه قولا واحدا، واختلف إذا انخرم أحد هذه الشروط الأربعة فتزوج من غير الأكفاء، أو أمة، أو نكاحا فاسدا، فدخل أو نكح نكاحا صحيحا، وطلق قبل البناء، فقال ابن القاسم: إذا كان النكاح فاسدا لم يبر به. يريد: وإن دخل إذا كان مما يفسخ بعد الدخول، وإن كان مما يثبت بعد بر به، والقياس أن يبر، وإن فسخ بعد؛ لأنه إنما حلف ليتزوجن فقد تزوج، ولأن القصد أن يسوءها بمباشرة غيرها، وقد فعل، ولا فرق عند الأولى أن يكون ذلك عن صحة أو فساد، وأيضا فإن الحالف لا يعرف صحيح ذلك من فاسده، والوجه الذي فعله هو الذي أراد بيمينه، ولو أصاب في النكاح الصحيح مرة، ثم طلق لبر بذلك، وقد اختلف في هذا الأصل، فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن حلف ليصيبن زوجته اليوم فوجدها حائضا فأصابها في ذلك لبر بذلك، وقال في العتبية: لا يبر، ولو حلف أنه لا يصيبها فأصابها في الحيض حنث قولا واحدا، واختلف إذا حلف بعتق أمة ليبيعها فوجدها حاملا منه، فقال مالك: تعتق عليه، وقال محمد وسحنون: لا شيء عليه كمسألة الحمامات، فحمل مالك اليمين على مراعاة [ ص: 2653 ] الألفاظ; لأنه حلف ليوجدن منه فعل فلم يوجد، ولم يحنث في القول الآخر، لأن القصد إذا كان البيع يصح، ولو كان عالما أنها حامل لبر بالعقد، وإن نقض؛ لأنه المقصود بيمينه، ويحنث إن لم يفعل حتى خرج اليوم الذي حلف ليبيعها فيه، واختلف إذا تزوج امرأة ليست من مناكحه، فقال مالك: لا يبر، قال محمد: وسهل فيها ابن القاسم، وإن تزوج أمة لم يبر على قول مالك. وقال ابن القاسم: يبر إذا كان لا يجد طولا للحرة، وإن كان واحدا عاد الخلاف المتقدم، هل يبر بالنكاح الفاسد، وقول ابن القاسم في هذا أحسن; لأن المراد نكايتها بذلك، وذلك يحصل بالشريفة والوضيعة، ولأن العادة جارية عند اليمين بمثل ذلك تزويج الدنية ومن لا رغبة في المقام معها، ويقول: أفعل ذلك لأبر في يميني، واختلف هل يبر بالعقد، فقال مالك وابن القاسم: لا يبر. وقال أشهب: يبر. وإن طلق قبل البناء، يريد: لأن التزويج يقع على العقد حقيقة، ورأى مالك أن القصد بالتزويج الدخول، واختلف إذا حلف ليتزوجن في هذا الشهر فتزوج فيه ودخل في غيره، ففي كتاب محمد أنه حانث، وقاله مالك في العتبية، والأمر في هذا أشكل ممن طلق ولم يدخل؛ لأن الشأن التراخي بالدخول عن العقد، ولو حلف ليتزوجن اليوم فتزوج وأخر الدخول فهو أبين، وليس المراد أن يكون العقد والدخول في يوم واحد، ويختلف إذا حلف لينكحن على زوجته، فمن قال: إن النكاح لا يقع إلا على الدخول لم يبر بالعقد، ومن قال: إنه يقع على العقد حقيقة عاد الجواب إلى ما تقدم إذا حلف ليتزوجن، ولو حلف أنه لا يتزوج على زوجته أو لا ينكح عليها، فإنه يحنث بالعقد؛ لأن القصد اجتناب ذلك جملة، وألا يسوءها بشيء منه. [ ص: 2654 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية