باب في قضاء المرأة إذا ملكت أو خيرت في المجلس أو بعده، وفي التخيير والتمليك إلى أجل
التخيير والتمليك على وجهين، مطلق ومقيد بأجل، فإن أطلق ذلك والزوجة حاضرة حين التخيير كان لها أن تقضي في المجلس.
واختلف عن إذا لم تقض حتى تفرقا هل يسقط ما بيدها من ذلك أم لا؟ مالك
وقال ليس لها أن تقضي، وقال ابن القاسم: وغيره: ذلك بيدها، ويختلف على هذا في وقف الزوج لها، وعلى القول الأول يوقفها الآن، وعلى القول الآخر لا يوقفها، ولها أن تفارق المجلس وترى رأيها، وأرى أن تمهل ثلاثة أيام لتنظر في ذلك، وبه قال مرة فيمن وجبت له الشفعة: يؤخر ثلاثة أيام، ليرى رأيه، وقيل في الذي يرى الحمل وهو ينكره: له فسخه في ذلك بعد الوضع، وفي الحديث في سحنون [ ص: 2713 ] وذلك ليرى رأيه في الأخذ أو الرد; لأن حالها في الحلاب يعلم دون ذلك، ومن اشترى سلعة بالخيار يمهل ويضرب له من الأجل بقدر ما يختار في مثلها، وكذلك المصراة أنه بالخيار ثلاثة أيام؛ فمشقة الفراق أشد من ذلك. التخيير والتمليك قد جعل لها فيه الاختيار، والحاجة إلى ما تؤامر فيه نفسها وتشاور،
وقال إذا قال: اختاري اليوم كله، فمضى ذلك اليوم كله ولم تختر، فليس لها أن تختار بعد ذلك، قال: لأن ابن القاسم: قال فيمن خير زوجته فلم تختر حتى تفرقا: فلا خيار لها، وأما على القول الآخر فلها أن تختار وإن مضى ذلك الوقت. والقول الأول أحسن; لأنه واهب هبة على صفة، فلا يخرج من يده فوق ما وهب. مالكا
واختلف إذا ضرب أجلا شهرا أو سنة، فقال ذلك بيدها إلى ذلك الأجل إلا أن توقف قبل ذلك فتقضي أو ترد أو يصيبها زوجها قبل ذلك فيبطل ما بيدها. مالك:
وقال في مختصر ما ليس في المختصر: إن فذلك، قال: وقال بالقول الآخر. يريد: قوله في المدونة. خير زوجته أو ملكها إلى أجل
وقال في كتاب أصبغ توقف مكانها فتقضي أو ترد، وإن لم توقف حتى وطئها لم يسقط ما بيدها؛ لأنه كذلك جعله بيدها حين قال: إلى [ ص: 2714 ] شهر أو سنة فقد رمى مرمى يكون الوطء قبله وبعده، وقول ابن حبيب: في جواز الصبر إلى الأجل أحسن بخلاف الطلاق إلى أجل; لأن الطلاق يقع بنفس انقضاء الأجل، وهذا الأمر فيها مشكوك فيه لا يدرى هل يحسن عندها الرضا بالزوجية أو الفراق؟ فأشبه من مالك أنه لا يعجل عليها بالطلاق، وقد أباح له الإصابة حتى يقدم، وكذلك الزوجة تقول: من حقي التأخير ولي مهلة النظر إلى ذلك الأجل، وإن كانت الإصابة عندكم لا تجوز فامنعوه مني، ولا يعترض هذا بالميراث; لأنها زوجة فالميراث بينهما قائم حتى يقع الطلاق. قال: أنت طالق إلى قدوم فلان،
واختلف فقيل: الأمر بيدها وإن لم تقض في المجلس الذي صار ذلك بيدها، بخلاف أن يكون الزوج حاضرا إلا أنه في الغيبة ليس ثم من يجاوبه ولا من يطالبه بالمجاوبة، وهو أحسن، فمن ذلك أن يقول: إن تزوجت فلانة فأمرها بيدها، فلا يقضي بحضرة العقد أو يقول: إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك، فيغيب عنها سنة. إذا خيرها وهي غائبة عن موضع التخيير
واختلف أيضا إذا جعل ذلك بيد رجل حاضر معه فانصرف قبل أن يقضي حسب ما تقدم إذا كانت الزوجة حاضرة، والقول الأول ألا يسقط إلا أن تسقطه أو تمكنه منها أحسن.
واختلف بعد القول أنه لا يسقط بالمفارقة هل يسقط إذا وطئ الزوج بغير علمها؟ وظاهر قوله في المدونة أنه يسقط. [ ص: 2715 ]
وقال محمد: إذا خلا بها بعلم الذي بيده الخيار أو التمليك ورضاه فادعى الزوج أنه وطئ، سقط التمليك. وهذا أحسن، وليس كتمكين الزوجة إذا كان التمليك بيدها; لأن ذلك حق لها فأسقطته، وهذا فيه حق لغيرها، فإذا سلم أن الافتراق لا يسقط حقه فإن من حقه ألا يقربها حتى يستأذنه، هل يسقط حقه في التمليك; لأنه يقول: ليس لك أن تعزلني عما ملكتني ولا تتصرف فيه إلا بإذني.
وقال فيمن مالك توقف الساعة فتقضي أو ترد، إلا أن يصيبها قبل غد فيسقط ما بيدها. قال: إذا جاء غد فقد جعلت لك الخيار،
يريد: إذا كانت تعلم أن لها الخيار الآن، وإن كانت تجهل وترى أن ذلك ليس بيدها إلى غد لم يسقط ما بيدها، وعلى أحد قولي في جواز التأجيل لا يكون لها أن تقضي قبل غد; لأنه لم يجعل لها فيه قضاء، وإن قال: أمرك بيدك إن قدم فلان كان له أن يصيبها ما لم يقدم، فإن أصابها بعد قدومه وهي عالمة بقدومه سقط ما بيدها، علم الزوج أو لم يعلم، وإن لم يعلما أو علم الزوج وحده لم يسقط، ويعاقب إذا أصابها بعد العلم، وإن قال لامرأة: إن تزوجتك فلك الخيار، أو كلما تزوجتك، أو كل امرأة أتزوجها. لزمه، وليس بمنزلة قوله: كل امرأة أتزوجها طالق; لأن التمليك لا يحرم النكاح، وقد تختار البقاء معه واحدة ممن تزوج، بل الغالب أن المرأة إذا تزوجت الرجل لا تختار فراقه بحضرة العقد وقربه. [ ص: 2716 ] مالك