الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن قال لزوجته: أنت علي كالميتة، أو حبلك على غاربك، أو قال: أنت خلية أو برية أو ما أشبه ذلك

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن قال لزوجته: أنت علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير، هي البتة وإن لم ينو به طلاقا. قال الشيخ -رحمه الله-: أنت علي حرام فقط، أو أنت علي حرام كالميتة سواء، كل ذلك تحريم، ويجري فيه من الخلاف ما تقدم في قوله: أنت علي حرام.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: أنت خلية، أو وهبتك نفسك، أو برية، أو بائن، أو حبلك على غاربك، أو وهبتك إلى أهلك، أو رددتك إلى أهلك، أو وهبتك نفسك، أو وهبت لك نفسك، فقيل: يلزمه في أي هذه الألفاظ الثلاث، وينوى إن قال: أردت واحدة قبل الدخول ولا ينوى بعد، وهذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه، وقيل محمله في التي لم يدخل بها على الواحدة، وهو قول أبي مصعب ومحمد بن عبد الحكم في الحرام، وقول ربيعة وعبد الملك في الخلية والبرية والبائنة، ويلزم على قولهم مثل ذلك إذا قال: وهبتك إلى أهلك أو رددتك لأهلك أو لنفسك ألا يلزم قبل الدخول مع عدم النية إلا واحدة إلا في التي قال: أنت علي كالميتة، فعلى قول عبد الملك: يلزمه قبل الدخول ثلاثة ولا ينوى، وفي مسألتين إذا قال البتة فقال مالك: لا ينوى قبل الدخول، [ ص: 2745 ] وقال أبو الحسن ابن القصار: ينوى.

                                                                                                                                                                                        وفي قوله حبلك على غاربك فقال في المدونة: لا ينوى; لأن هذا لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئا. وهذا يقتضي ألا ينوى قبل ولا بعد، وفي كتاب محمد: ينوى قبل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في هذه الجملة بعد، فقال أشهب في كتاب أبي الفرج في الخلية والبرية: ينوى وإن كان بنى بها، وترجح مالك مرة في هذا الأصل، فروى أشهب عنه في مختصر ما ليس في المختصر فيمن قال: أنت طالق واحدة بائنة، أو بتة أو خلية أو برية. وهي مدخول بها وقال: أردت واحدة. لم يقبل قوله، ثم قال لي: لا تكتبه لعلي لا أثبت على هذا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم في "حبلك على غاربك، ووهبتك لأهلك، وشأنكم بها، واحدة، إلا أن ينوي أكثر. [ ص: 2746 ]

                                                                                                                                                                                        وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في شرح ابن مزين في "حبلك على غاربك": ينوى، وعلى أصله أنها واحدة رجعية; لأنه قال في الحرام والتخيير أنها واحدة رجعية.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: وأرى أن يحمل كل هؤلاء قبل الدخول مع عدم النية على واحدة; لأنها بالواحدة خلية وبرية وحبلها على غاربها وموهوبة ومردودة، وأما بعد الدخول فيحمل على الثلاث; لأن بها تبين إلا على القول أنها تكون بائنة وإن لم يكن معها فداء.

                                                                                                                                                                                        واختلف في قوله: فارقتك، فحمله مالك في كتاب محمد مرة على الثلاث قبل وبعد، إلا أن ينوي واحدة، وقال أيضا: إن لم يكن دخل فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر، وبعد الدخول ثلاث إلا أن ينوي واحدة، وقال أيضا: هي واحدة وإن دخل، إلا أن ينوي الثلاث، وقال أشهب: هي ثلاث ولا ينوى، وقال أيضا: هي واحدة إلا أن ينوي أكثر، والقول إنها واحدة دخل أو لم يدخل أحسن; لأن الفراق والطلاق واحد، ومن طلق فقد فارق، ومن فارق فقد طلق، قال الله -عز وجل-: أو فارقوهن بمعروف [الطلاق: 2] ولم يأمرنا بالثلاث، وقال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته [النساء: 130]. [ ص: 2747 ]

                                                                                                                                                                                        وفرق بين قوله: أنت خلية، وخليت سبيلك، وخليتك، فقال: إذا قال: أنت خلية هي ثلاث قبل الدخول وبعده، وينوى قبل ولا ينوى بعد، وحكي عنه في "خليت سبيلك" ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن محمل قوله قبل الدخول أو بعده على الثلاث وينوى إذا قال: أردت واحدة قبل وبعد، مثل قوله في المدونة.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: ينوى قبل، ولا ينوى بعد.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن محمله على واحدة قبل وبعد، قال: وإن قال: لم أرد طلاقا فهو أشده وهي البتة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في قوله: "خليتك وسرحتك" ذلك سواء، هي واحدة، إلا أن يقول في هذين: لم أرد طلاقا. فيكون ذلك له إذا حلف، ولا يقبل قوله في "خليت سبيلك" أنه لم يرد طلاقا. وقال ابن حبيب: خليت سبيلك وخليتك وسرحتك وفارقتك سواء، هو ثلاث في المدخول بها حتى ينوي أقل فيحلف، وإن لم يدخل فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما قوله خلية، فلأن العادة جارية أن يقال: فلانة خلية [ ص: 2748 ] من زوج، وخلو من زوج، إذا كانت لا زوج لها، وذلك بعيد البينونة، وإن كانت مدخولا بها.

                                                                                                                                                                                        وأما قوله: خليت سبيلك فهي عبارة عن الطلاق، والمراد طلقتك، وكذلك أرى في قوله خليتك، ولا يصدق أنه لم يرد طلاقا، وأن يحمل في جميع ذلك قبل الدخول على واحدة، وقول ابن شهاب أنت بالسراح أنها طلقة، إلا أن ينوي الثلاث حسن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية