باب فيمن له على رجل دراهم فوكله على أن يصرفها له بدنانير، وكيف إن وكل الذي عليه الدين الذي له الدين فدفع إليه عرضا أو دنانير ليبيعها وليصرفها، ويأخذ دراهمه منها
ومن المدونة قال فيمن مالك أنه لا خير فيه. قال له على رجل دراهم، فقال له: صرفها لي بدنانير وجئني بها: كره ذلك; لأنه يتهم أنه إنما ترك له الدراهم يوما أو يومين على أن يعطيه كذا وكذا دينارا، أو يكون تأخيره ليشتري بها، فيدخله فسخ الدين في الدين، والصرف المستأخر، فإن فعل وصرفها ببينة كان ما صرفت به للآمر. ابن القاسم:
ويختلف إذا لم تكن له بينة، فعلى قول يكون ما صرفت به للمأمور، وعلى قول ابن القاسم يكون للآمر. أشهب
وقد اختلفا فيمن فقال كان له على رجل دين فقال له: اعمل به قراضا، فأتى بعد ذلك بربح، الربح للعامل، وقال ابن القاسم: الربح بينهما على ما اشترطا. [ ص: 2796 ] أشهب:
وأرى أن تكون الدنانير للآمر; لأن التهمة في ذلك ليست بالبينة، والمنع في ذلك ابتداء حماية، فإن فعل وأتى بدنانير لم أحل بين المقر له بها وبينها من غير دليل تهمة.
وإن كانت الوكالة من المطلوب ودفع إلى الطالب عرضا ليبيعه له بدارهم ويستوفيها لنفسه- جاز إذا كان العرض الثاني من غير جنس المبيع أولا، وإن كان من جنسه وهو أدنى صفة أو أقل عددا جاز، وإن كان أجود أو أكثر عددا لم يجز، ويتهمان على سلف بزيادة إذا كانت البيعة الأولى بيعة أجل، ولو كان البيع الأول نقدا لجاز على المستحسن من المذهب.
واختلف فقال إذا أعطاه دنانير ليصرفها له، ويستوفي دراهمه من ثمنها، لا يعجبني ذلك، وأخاف أن يحبس الدنانير لنفسه. قال مالك: استثقله ابن القاسم: وكرهه. مالك
وقال في سماع مالك أبي قرة: لا بأس أن يدفع الرجل إلى الرجل الدنانير ويقول له: صرفها وخذ حقك منها، لدراهم يسأله إياها.
وقال في كتاب محمد فيمن كان له على رجل نصف دينار فأعطاه دينارا، فقال له: صرفه واستوف نصفه وجئني بنصفه: لا بأس به، وقد كان قال: لا خير فيه.
فأجاز ذلك في هذه المسألة; لأن له ذهبا، فإذا أعطاه دينارا كانا شريكين فيه من الآن، ومنعه لما قيل: إن النصف الذي في الذمة دراهم. [ ص: 2797 ]
والقول: إنه ذهب أحسن.
ولو أسلم رجل لرجل في طعام، فلما حل الأجل قال له: بعه وجئني بثمنه، فإن فعل وكاله وباعه ببينة كان الثمن الذي أتى به للآمر، وإن كان الذي أتى به أكثر من الأول، وإن لم يكن على ذلك بينة وأتى بدراهم أو بدنانير هي أكثر من رأس المال- لم يجز ذلك; لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله في الدراهم الصرف المستأخر، وفي الدنانير السلف بزيادة، ووافق على هذا; لأن التهمة عادت إلى ما كان في أصل العقد، وهي بيعة أجل. أشهب
ويختلف إذا أتاه بمثل رأس المال أو أقل، فمنع ذلك مالك خيفة أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه، وفسخ الدين في الدين. وابن القاسم،
ويجوز على أصل لأن ما يفعلانه الآن يجري عنده على بياعات النقود; لأن العقد قد سلم من التهمة. أشهب;
وإذا منعا من قبض ما أتى به; لأن التهمة كانت في أصل العقد كانت الدنانير والدراهم للمأمور.
واستحسن أن يشتريا بها مثل الطعام الذي كان في الذمة، فإن فضل بعد ذلك فضل تصدق به، ولم يترك للمسلم إليه; لأنه مقر أنه لا شيء له فيه، وإن لم يوف لم يكن عليه غير ما اشترى به قياسا على قول في العتبية فيمن [ ص: 2798 ] كان ابن القاسم فقال: القول قوله. له على رجل دين، فقال له: اشتر لي به سلعة، فقال: اشتريتها وضاعت،
وإذا برئت ذمة هذا بقوله: اشتريت، برئ الآخر من النقص.
وإن كانت الوكالة من المسلم إليه، فإن اشترى ذلك ببينة كان المشترى لمن له السلم، وإن لم تكن له بينة، وكان الذي أخذه من الغريم ليشتري به أكثر من رأس المال- لم يجز، وكان على القابض أن يرد مثل ما أخذ من الدنانير، ويكون الطعام مشترى له.
وإن كان الذي أخذ مثل رأس المال جازت الوكالة، ولم يكن ها هنا تهمة; لأنهما لو شاءا لجعلا ذلك إقالة، وأخذها لنفسه، بخلاف أن تكون الوكالة من الذي له الدين، فيأتيه المسلم إليه بمثل رأس المال، فإنه يمنع، خيفة أن يكونا عملا على ذلك، فتكون إقالة مستأخرة.
واختلف إذا كان الذي أخذ الطالب دون رأس المال:
فمنعه لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فتكون إقالة على أقل من رأس المال. ابن القاسم;
وأجازه في كتاب أشهب محمد; لأن التهمة ليست في أصل العقد، وإنما هي فيما يفعلانه الآن، فيرده إلى بياعات النقود. [ ص: 2799 ]
ومثله لو أعطاه مثل رأس المال فرد الطالب بعضه، وقال: فضل هذا بعد ما اشتريت، لم يجز على قول ابن القاسم.
وجاز على قول وإن قال: بقيت عليك بقية لم يجز على قوليهما جميعا. أشهب،