الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في السلم في لبن أو زبد أو سمن أو جبن أو أقط غنم بأعيانها]

                                                                                                                                                                                        السلم في لبن غنم بأعيانها جائز إذا كان في إبان اللبن. [ ص: 2913 ]

                                                                                                                                                                                        فإن كانت ألبان غنم ذلك الموضع لا تختلف في الجودة والدناءة، جاز وإن لم يختبر اللبن، وإن كانت تختلف في الجودة والدناءة، لم يجز إلا بعد اختباره، ومعرفة صفته.

                                                                                                                                                                                        فإن كانت الغنم كثيرة، جاز أن يسلم فيه، وأن يشتريه جزافا، فيسلم فيه في كيل معلوم لا يتعذر وجوده من تلك الغنم، ويضرب من الأجل ما يرى أن اللبن لا ينقطع قبله، ويجوز أن يشتري جملته من غير كيل إذا اختبرها وعلم قدر حلابها.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت قليلة كالشاة والشاتين افترق السلم فيه من شرائه جزافا، فيجوز السلم في مثل ربع لبنها أو نصفه، وما الغالب حصوله بعد نقص لبنها، واختلف في شرائه جملة من غير كيل:

                                                                                                                                                                                        فكرهه مالك مرة؛ لأنه يختلف، فيقل مرة، ويزيد أخرى، وهو بخلاف الجماعة؛ لأنها يحمل بعضها عن بعض، إن نقصت هذه زادت الأخرى، ولا يتحسس إلى ذلك في الجملة.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ذلك في كتاب محمد، وقال: ما زال الناس ها هنا يشتري الرجل لبن الشاة شهرا، فلا بأس به.

                                                                                                                                                                                        ورأى أن الغالب استصحاب الحال فيها، وأنها على ما يعرف منها، وهو أحسن.

                                                                                                                                                                                        فإن نقص بعضها عن المعتاد حط من الثمن بقدره إلا أن يقع جدب [ ص: 2914 ] فيضر بها الحلاب، فيكون لصاحبها الفسخ.

                                                                                                                                                                                        وكذلك الغنم الكثيرة إذا أسلم في لبنها، أو اشتراه جزافا فأجدبت الأرض وأضر بها الحلاب كان له أن يفسخ ذلك.

                                                                                                                                                                                        والسلم في الزبد والسمن والجبن والأقط جائز على الصفة إذا كان مضمونا، ولم يكن في أعيان غنم، وإذا كان على ما يكون من غنم بأعيانها، جاز ذلك في الزبد والجبن؛ لأنه تعلم صفته.

                                                                                                                                                                                        واختلف في السمن والأقط: فأجازه ابن القاسم، وكرهه أشهب، ورأى أن الصفة فيهما تختلف.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجوز إذا أسلم في بعض ما يكون منها من سمن أو أقط، وما يرى أنه لا بد أن يحصل منها بعد احتلاب ذلك القدر على تلك الصفة.

                                                                                                                                                                                        وإن أسلم في القدر الذي يكون منها من السمن والأقط، لم يجز؛ لأنه إن خرج على غير الصفة التي شرطت، لم يلزمه قبوله، ورد رأس المال، فكان تارة سلفا، وتارة بيعا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية