الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الطعام يجب عن نكاح أو صلح أو ثمن كتابة أو غير ذلك فيبيعه قبل قبضه]

                                                                                                                                                                                        وإذا وجب الطعام عن نكاح أو خلع أو مصالحة عن دم أو كراء دار أو غير ذلك، لم يجز أن يباع حتى يقبض; لأن كل هذه معاوضات وداخلة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما. . ." .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن باع كرمه أو حائطه واستثنى منه كيلا، قال ابن القاسم: أكره بيعه قبل قبضه، ثم رجع عنه وقال: لا بأس به ، فذهب في القول الأول إلى أن المستثنى مشترى اشتراه البائع من المشترى منه، والقول أنه يبقى على الملك الأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المكاتب يكاتب بطعام: يجوز لسيده أن يبيعه من المكاتب قبل قبضه; لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ولا يبيعه من أجنبي; لأن السيد لو دبر عبده جاز أن يبيع خدمته منه، ولا يبيعها من أجنبي .

                                                                                                                                                                                        ولا فرق بين المسألتين، فإما أن يقال: إن الكتابة دين ثابت، كما قال ابن عمر، فلا يباع الطعام من المكاتب ولا من غيره، أو يقال: ليست بدين ثابت، فيباع منه ومن الأجنبي. [ ص: 3076 ]

                                                                                                                                                                                        وقد منع سحنون فسخ الكتابة في غيرها إذا لم يعجل العتق; لأن فيه شبهة الدين، فكذلك بيع الطعام .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجوز ذلك من العبد وغيره إذا كانت الكتابة على قدر الخراج; لأنها غلة، وإن كانت أكثر بالشيء البين، أو كانت إنما ينالها بما يستعين من الناس ألا يجوز بيعه; لأنه يصير ثمنا للرقبة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في النصراني يبتاع الطعام من نصراني: لا أحب للمسلم أن يشتريه منه قبل قبضه .

                                                                                                                                                                                        فلم يره محرما; لأنهم غير مخاطبين بفروع الإسلام، والحديث متوجه لمن كان مسلما بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" ، وسواء كان اشتراه النصراني من نصراني أو مسلم، فإن كان المسلم هو المشتري لم يجز أن يبيعه من نصراني قبل قبضه قولا واحدا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية