فصل [في ومن ابتاع طعاما بعينه أو بغير عينه فيريد بيعه قبل قبضه] المواعدة في الطعام قبل قبضه
قال ولا يواعد أحدا في بيع الطعام قبل قبضه، ولا يبيع طعاما ينوي أنه يقضيه من طعام اشتراه، بعينه كان، أو بغير عينه . والمواعدة [ ص: 3077 ] في هذا كالمواعدة في الصرف. ابن القاسم:
وقد اختلف في المواعدة في الصرف: فكره ذلك ، ومنعه مالك وأجاز هذا أصبغ، ابن نافع.
وأجاز في كتاب مالك محمد الخيار في الصرف ، والمواعدة في هذا أخف.
وكذلك إذا عقدا بيعا على طعام في ذمته، ونيته أن يقضيه من ذلك الطعام، فالعقد ماض ولا تأثير للنية في العقد، وقد أجيز التعريض في النكاح، فكيف بمن يضمر هذا ولا ينطق به.
وقيل: المعنى: لا يبيع طعاما ينوي أنه يقضيه من طعام عليه. وهذا أبعد; لأنه يستحيل صرف النية فيه إذا كان عليه طعام فطلب بقضائه، وليس عنده، فلا يجري إليه. إلا بشراء.
وإنما الاختلاف إذا جعل للطالب أن يقضيه من المشتري منه أخيرا: فمنع ذلك إلا أن يقضيه الغريم من البائع آخرا ثم يقضيه . وأجازه مرة، فقال فيمن عليه طعام من سلم فأعطى الطالب مثل رأس ماله ليشتري ذلك لنفسه: فلا بأس به . [ ص: 3078 ] ابن القاسم،
فإذا جاز للطالب أن يشتري الطعام على ذمة المطلوب، ثم يقبضه لنفسه، جاز أن يشتريه الغريم ثم يجعل للطالب قبضه. وقد قيل: إن هذه إقالة ، وهو خطأ; لأنهما متفقان أنه أخذ ذلك على وجه الوكالة، ولو ضاع الثمن كانت مصيبته من الباعث، وإن ثبت أنه اشترى ذلك للغريم ثم قبضه منه جاز، وأجازه وإن أخذ أقل من رأس المال; لأنه أخذه على أنه وكيل وأن يشتري على ذمة الباعث، ولو دخل على أنه يمسك ذلك لنفسه لم يجز، ويجوز على قوليهما إذا أعطاه أكثر من رأس المال واشترى بنيته وكل ذلك راجع إلى القضاء عن البيع، هل هو بيع أم لا؟ أشهب
والقول إنه ليس ببيع أحسن ; لأن البيع المتقدم لم يكن في عين هذا الطعام، وإنما قضاه عن دين تقدم تقرره في الذمة، وإنما جاء الحديث: ، ولم يقل فلا يقضه. "من ابتاع طعاما فلا يبعه"
وقد أجاز مالك وابن القاسم لمن أسلم في حنطة أو اشترى حنطة بعينها أن يأخذ بكيلها شعيرا ، وإن تقارا أنهما أرادا المبايعة ولم يقصدا المعروف. [ ص: 3079 ] وأشهب
وكذلك من أسلم في سمراء وأخذ محمولة يريدها للزريعة جاز وإن اعترف أنه قصد المبايعة جاز ، وإن كان مما ينطلق عليه بيع الطعام قبل قبضه.
ويختلف في المقاصة قياسا على ما تقدم في القضاء.
فإن لم يجز عند أسلم رجلان كل واحد لصاحبه في طعام كيلا واحدا وصفة واحدة، ثم أرادا المقاصة، وتساوت رؤوس الأموال، . ابن القاسم
وقال في كتاب أشهب محمد: يجوز ويكون إقالة .
يريد: أنهما لو اتهما أنهما عملا على ذلك في حين عقد السلم الثاني، جاز، وكانت إقالة، فإذا سلما من التهمة جازت المقاصة; لأن الثاني قضاء عن الأول، والقضاء بخلاف البيع.
ويلزم أن يجيزه على ما تقدم له إذا وكله على أن يشتري لنفسه، فإذا اختلف رأس المال لم يجز، فإن كان الثاني أكثر دخله سلف بزيادة، وإن كان أقل، كانت إقالة على أقل من رأس المال، فإن خفي ذلك لهما، وكان باطنهما على الصحة أنهما يسلمان، جازت المقاصة; لأنه قضاء. ابن القاسم
وكذلك إذا كان لرجل قبل رجل طعام فأحاله المطلوب على من له عليه [ ص: 3080 ] طعام من سلم، فمنعه ; لأن الحوالة عنده بيع، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه. ابن القاسم
وأجازه إذا تساوت رؤوس الأموال قال: ويكون تولية . أشهب
يريد: أنهما يسلمان من التهمة; لأنهما لو شاءا جعلاها تولية، وإلا فهما مقران أنهما لم يقصدا إلا الحوالة والقضاء، ولو كان ذلك فاسدا لم يجز أن يطرح ما اعترفا به على أنفسهما من الفساد ليصح غيره. فإن اختلف رأس المال، وكان أحدهما أكثر -الأول أو الآخر- لم تجز الحوالة على قوليهما.
وإن كان أحدهما من سلم والآخر من قرض جازت المقاصة عند إذا حلا . ابن القاسم
وأجازه إذا حل أحدهما . أشهب
وذكر عنه أنه قال: يجوز إذا حل السلم . وقال ابن حبيب تجوز وإن لم يحلا . ابن حبيب:
وهو أبين; لأن الذمم تبرأ من الآن. [ ص: 3081 ]
وأما الحوالة فتجوز إذا حل المحال به، حل المحال عليه أم لا، وإذا صحت الحوالة عاد الجواب في بيعه في ذمة المحال عليه قبل قبضه على ما تقدم، فإن كانت الحوالة ببيع على قرض أو بقرض على بيع لم يجز على قوله في المدونة ، ويجوز على قوله في كتاب إذا كانت الحوالة بقرض على بيع . ابن حبيب