باب [فيما] يحرم التفاضل فيه من الطعام وما يجوز منه
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: . "البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد"
واختلف في تعليل هذه الأصناف فقال في كتاب مالك محمد: ما كان من الطعام والشراب من الحبوب والأوداك، والأدم، والفاكهة رطبها ويابسها مما يدخر- نوع واحد لم يجز التفاضل فيه. فجعلها ثلاثة أقسام: مقتات، مؤتدم، ومتفكه، وقال من أصحابنا من علله بثلاث علل فالبر مقتات مدخر جنس، فكل مقتات مدخر مردود إليه، والتمر متفكه يصلح للقوت، فكل ما وجد فيه هذا المعنى فهو مثله، والملح مؤتدم، فكل ما وجد فيه هذا المعنى فهو مثله. ومنهم من علله بالقوت جنسا. أبو جعفر الأبهري:
وقال ابن القصار العلة أنها مأكولة مدخرة للعيش غالبا . وأبو محمد عبد الوهاب:
وليس هذا التعليل بصحيح، وهذه العلة شرط في كل ما تجب فيه الزكاة، وأنها إنما تجب فيما كان للعيش غالبا، إذا كان مقتاتا مدخرا وقد يكون مدخرا، [ ص: 3104 ] وليس للعيش غالبا يحرم فيه التفاضل، وليس تجب فيه زكاة، فالجوز واللوز وما أشبه ذلك يحرم فيه التفاضل; لأنه مقتات مدخر، ولا تجب فيه الزكاة; لأنه ليس بأصل للعيش ، فالبر والشعير وما أشبه ذلك أصل للعيش فوجبت فيه الزكاة، وحرم فيه التفاضل.
والقول إن التمر متفكه غلط; لأنه كان بالمدينة أصلا للعيش، وكذلك مدائن التمر هو العمدة في أقواتهم، كالقمح في الحواضر، والشعير في البوادي.
وفي كتاب مسلم . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ لأزواجه من خيبر ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسق شعير
ولورود النص بوجوب الزكاة فيه، ويلزم القائل أنه تفكه، أن يسقط الزكاة منه أو يوجب الزكاة في الفواكه، وإذا صح أن هذه الثلاثة البر والشعير والتمر أصل للعيش لم يبق إلا الملح، وهو مصلح القوت، فقس عليه المؤتدمات والفواكه المدخرة; لأن عمدة الملح في القوت الإصلاح، إن صنع في خبز أو طعام صلح وعذب، واستعمل الإنسان منه أكثر ما يستعمل لو لم يكن فيه، وإن أخل به كان ناقصا، وفي معنى الفساد ، وتدخل فيه المؤتدمات بالمعنى; لأن كل واحد منها متعلق بما هو أصل للعيش غالبا يراد ليستطاب به الطعام، ولينال منهما من الطعام ما لا ينال عند عدمهما، وكذلك المتفكه به تعلق فيما هو أصل للعيش فيما يستطاب به. واختلف في الرمان والتفاح [ ص: 3105 ] والخوخ: فأجاز التفاضل فيها، ولم يرها مدخرات . مالك
وقال ابن نافع في شرح ابن مزين: الرمان والخوخ وعيون البقر والإجاص والموز مما ييبس ويدخر، فلا يجوز التفاضل فيه.
وقال محمد في قال: لأن يبس ذلك ليس الغالب، ولا ييبس للأكل ولا للمعاش، وإنما ذلك ليدخل في غيره من العلاج والطبخ . الزفيزف يجوز التفاضل فيه،
قال الشيخ -رحمه الله-: أما لأنه يدخر الشهور، وهو يتفكه قبل الادخار وبعده، وأما العين، والزفيزف فيجوز التفاضل فيهما; لأنهما إنما يرادان بعد اليبس للعلاج. والحلبة الخضراء طعام، فإذا يبست كانت علاجا، فإن نبتت كانت طعاما وهي في حال اليبس على حكم العلاج، ولا تراد في الرمان فلا يجوز التفاضل فيه; المغرب لتنبت بخلاف الترمس له حكم الطعام وإن كان لا يؤكل في حال اليبس; لأنه لا يراد إلا لينبت فحمل على ما يراد له.
وقد تقدم ذكر الاختلاف في التوابل والبقول ، وألا يجوز التفاضل فيه أحسن; لأنها مصلحة للقوت كالملح. [ ص: 3106 ]