الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في إقرار المفلس قبل الحجر عليه وبعده]

                                                                                                                                                                                        وإقراره قبل الحجر لمن لا يتهم عليه جائز، واختلف إذا أقر لمن يتهم عليه كالأب والأخ والزوج، وأن لا يجوز أحسن لأنه يتهم أن يواطئه على ذلك ليرده إليه.

                                                                                                                                                                                        وإقراره بعد القيام عليه على ثلاثة أوجه فيجوز إذا كانت الديون التي قيم عليه بها بغير بينة وهو إقراره كله أو كان أصحاب البينات لا يستغرقون جميع ما في يديه أو يستغرقون، وكان يعلم من المقر له معاملته، وأنه كان يتقاضاه وأقر له بما يشبه أن يداينه به، ولا يجوز إقراره بعد الحجر، والاستسلام تقريره على ما عليه، واختلف في ثلاث مسائل:

                                                                                                                                                                                        إحداها: إذا كان الإقرار بعد القيام وقبل الحجر والسجن والاستسلام . [ ص: 3156 ]

                                                                                                                                                                                        الثانية: إذا ثبتت المعاملة بالبينة وأقر أن عين المشتري قائمة.

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا أقر بأمانة قاموا عليها كالوديعة والبضاعة والقراض، فقال مالك مرة: إذا قاموا عليه على وجه التفليس وسجنوه ، وقال محمد: إذا قاموا عليه على وجه التفليس وحالوا بينه وبين ماله ومنعوه البيع والشراء أو الأخذ والإعطاء واستسلم لم يجز إقراره حينئذ إلا بالبينة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: إنما من حق الغرماء الحجر في البيع والشراء، ولا يحجر عليه الإقرار; لأنه كان مطلق اليد في الشراء ولا يعرف ما اشتراه إلا منه، فيحتاج إلى استفساره، فإن بادر بعض الغرماء بالحجر عليه لم يقطع ذلك حق من سواهم، وإنما ينبغي للحاكم أن يبتدئ بسؤاله عما عليه للناس فيكتب ذلك ويشهد به، ولو كان لا يقبل إلا قول من أتي به إلى المحاكمة والحجر عليه لبطلت أموال الناس، وأكثر الناس يتبايعون بغير إشهاد لا سيما البزازين وأصحاب الإدارات فهي بيوعهم.

                                                                                                                                                                                        ولو قال بعد أن كشف عن ديونه، وسمى كل واحد لفلان علي كذا [ ص: 3157 ] وكذا ، وقد أشبه لقبل قوله إذا كان ذلك بالقرب، وكذلك لو قال كنت عقدت الشراء من فلان في كذا أو بعته كذا لقبل قوله إذا كان ذلك عندما سئل، وقد قيل في المقارض يسلم المال ثم يقول: نسيت نفقة أو ما أشبه ذلك: أنه يقبل قوله إذا كان بقرب ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ثبت البيع أو الإيداع، ثم قال بعد الفلس: هذا الثوب الذي كنت اشتريته أو الوديعة التي قبضت، فقيل : لا يقبل إقراره، وقيل: لا يقبل في البيع ويقبل في الإيداع، والبضائع والقراض، وأن يقبل في الجميع أحسن; لأن الأصل وجود هذه الأشياء حتى يعلم أن تصرف فيها، ولأنه لا يتهم في أن يكون يعطيهم ما كان أخذ منهم، والتفرقة بين البيع والإيداع والبضائع وجه; لأنه يقول قبض المبيع على أنه يتصرف فيه لنفسه، فلا يقبل قوله في بقائه، وقبض الوديعة على أن تبقى على حالها لصاحبه، والقراض على أن ينصرف فيه لصاحبه، فلم يجز أن يحمل على أنه تعدى وخان أمانته وتصرف فيها لنفسه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصانع يفلس فيقر فيما في يده أن هذه السكينة أو الغزل لفلان، فقال مالك في العتبية: لا يقبل قوله لعله أن يخص صديقه أو يواطئ هذا، ليرد عليه . [ ص: 3158 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: يقبل إقراره لمن أقر له، وإن لم تكن لهم بينة، وقال محمد: يبطل قوله إذا كان على أصل الدفع بينة أو على إقراره قبل الفلس، وإن لم تعرف ذلك البينة بعينه .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أحسن لأن الصناع منتصبون لمثل هذا، وليس العادة الإشهاد عند الدفع، ولا يعلم ذلك إلا من قولهم، وهم مثل المقر بالقراض والودائع; لأنه يقبض ذلك ليبيعه لأربابه يصنعه ثم يسلمه فلم يجز أن يحمل عليه أنه خالف فيه، وهذا إذا لم يدع ذلك المقر به أحد من القائمين عليه، فإن ادعاه وقال: بل أنا دفعته حلف المقر له وكان له ، ويرجح قول الصانع أنه منه أخذ، وإن سرق بيته أو احترق واعترف في شيء مما سلم أنه لفلان، كان القول قوله; لأنه في السرق والاحتراق ولم يحجر عليه، وهو بمنزلة من تبين فلسه ولم يضرب على يديه، وقد قال ابن نافع في المبسوط: لا يجوز إقرار من تبين فلسه، وإن لم يضرب على يديه وليس بحسن. [ ص: 3159 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية