الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في المحاصة بين الوارث والأجنبي إذا أقر لهما المفلس]

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن أقر لوارث ولأجنبي بمائة دينار، وخلف مائة، فقال ابن القاسم: يتحاصان فما صار للأجنبي أخذه، وما صار للوارث دخل في بقية [ ص: 3163 ] الورثة ، ولا رجوع للوارث المقر له على الأجنبي، وقال أشهب: يرجع على الأجنبي بنصف ما يفضل به، فما صار له دخل فيه معه الورثة ثم يرجع المقر له على الأجنبي حتى يتساويا، فإن كان للمقر له أخ واحد عاد المال بينهم أثلاثا، وإن كان الولد ثلاثا عاد المال بينهم أرباعا ، وهذا ضعيف أن يضر الأجنبي بما يأخذ الأخ على وجه الميراث، والقياس أن يبدأ بالأجنبي بجميع المائة; لأن الإقرار له صحيح، والإقرار للوارث فيه تهمة، والتهمة لا تبعض، وإذا اتهم الميت فيما أقر به له حتى يكون للورثة أن يدخلوا معه سقط أن يكون له مع الأجنبي حصاص; لأن الأجنبي يقول: إن كان إقراره للوارث معي صحيحا فيجب ألا يدخل فيه الورثة، وإن كان يتهم فيه حتى يكون للورثة فيه مقال بطل إقراره جملة; لأنه يستحيل أن يكون إقراره صحيحا سقيما في حال.

                                                                                                                                                                                        وإن أقر لزوجته ولأجنبي وكان يورث بولد تحاص على قول ابن القاسم، فما صار لها أخذته، ولم يدخل فيه بقيمة الورثة، وإن كان ورثته عصبة دخلوا معها، وإن أقر لأجنبي ولصديق ملاطف والورثة عصبة، فما صار للصديق أخذ الورثة جميعه، ثم لا رجوع له، وعلى قول أشهب يرجع، وذلك يؤدي إلى ألا يبقى بيد الأجنبي شيء لأن الورثة ينتزعون جميع ما يأخذه، بخلاف أن يقر لوارث فإنه ينتزع منه الزائد.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا كان عليه دين لأجنبي ببينة وأقر لأجنبي آخر ولوارث [ ص: 3164 ] ولا بينة لهما، قال: فلا حق للوارث حتى يستوفي الأجنبيان فإن كان ما ترك الميت مثل حق صاحب البينة كان تهمة من الميت لوارثه إن أدخله مع صاحب البينة ، ولو طلب الوارث أن يدخل فيما يصير للذي لا بينة له لمنعه الذي له البينة لأنه يقول: أنا أحق بما تأخذه، ولا حق لك في مال الميت، ولي عليه دين ببينة يحيط بما ترك، وكذلك لو كان ثم فضل عن حقه إلا أنه لا فضل فيه عن حق الأجنبيين لأنه إن جعل له حق فيما يصير للذي لا بينة له رجع على الذي له البينة فيقول في يدك أكثر مما في يدي وأنت لا تكون أحق بشيء من مال الميت مني، وقد قال فيها غيري إذا قسم ما ترك الميت بين الأجنبيين نصفين لأنه حقهما سواء دخل الوارث مع الذي لا بينة له فقاسمه ورجع الذي له البينة على الوارث وأخذ منه ما صار له من ذلك فقاسمه إياه الذي لا بينة له، فما صار للذي لا بينة له دخل فيه الوارث فحاص بجميع ما كان أقر به الميت فما صار للوارث أخذه أيضا صاحب البينة ثم دخل فيه صاحب الإقرار، فما صار له منه دخل معه فيه الوارث بجميع حقه لأنه ليس بيده شيء، وهكذا أبدا حتى لا يبقى منه شيء، قال محمد وهو يرجع إلى ألا يكون للوارث معهما شيء. [ ص: 3165 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: إلا أن القسمة تختلف فيكون بيد صاحب البينة أكثر، وفي القول الآخر يتساويان، والقول الأول الذي ذكر محمد هو أصل أشهب، وأما على قول ابن القاسم يتحاص الأجنبيان ، فما صار للذي لا بينة له دخل فيه الوارث، فما صار للوارث دخل فيه بقية الورثة، ثم لا تراجع بينهم ، ويصح أن يقال: إن لصاحب البينة أن يحاص من لا بينة له بالوارث، فما صار للوارث أخذه صاحب البينة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية