الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشروط في الهبات وما يجوز منها وما لا تصح الهبة لأجله

                                                                                                                                                                                        اختلف في الواهب يشترط على الموهوب له ألا يبيع ولا يهب أو يقول : إن بعتها فهي لي بغير شيء ، أو الثمن الذي بيع به ، فقال مالك فيمن وهب هبة على ألا يبيعها ولا يهبها : فالهبة غير جائزة .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية : أكرهه ، فإن نزل مضى على شرطه ، وقال في كتاب محمد : يخير الواهب ، فإن قبلها وإلا نقضت ، وقال أشهب : ذلك جائز ، وهو كالحبس .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تجوز على ما شرط ، فإن مات الموهوب له ورثت عنه; لأنها معروف ، فيجوز أن يعطي الرقاب ينتفع بها من الآن ، أو يعطي المنافع خاصة حياته ثم يعود إليه ، أو يعطي المنافع حياته ثم يكون له المرجع بعد موته يقضي منه دينه ، أو يأخذه ورثته .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال : إن بعتها فهي رد علي . فقال مالك في العتبية : الهبة جائزة . قال : لأنه ليس ببيع .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : ليست هذه الهبة بشيء . وكذلك إن قال : إن بعتها ، فأنا [ ص: 3517 ] أحق بها بالثمن . فعلى قول مالك تجوز الهبة والشرط لازم ، وعلى قول ابن القاسم الهبة فاسدة .

                                                                                                                                                                                        وإن قال : إن مت أنت رجع العبد إلي ، وإن مت أنا قبل كان لك . فإنه يمضي على ما شرط ، وكانت العطية قد تضمنت عمرى ووصية ، فإن مات المعطى قبل ردت إلى المعطي; لأنها عمرى ، وإن مات المعطي قبل كانت في ثلثه . قال ابن القاسم في العتبية : وسواء حيزت العطية أو لم تحز; لأن الوصايا وما يرجع إلى الثلث لا يحتاج إلى حوز . وقال أصبغ : ليس له أن يحولها عن حالها .

                                                                                                                                                                                        يريد أنه أوجب الوصية كالمدبر ، ولو قال : أهبك على إن مت أنا قبل رجع العبد إلي ، وإن مت أنت قبل كان لورثتك . كان على ما شرط .

                                                                                                                                                                                        وقال المغيرة في كتاب المدنيين فيمن وهب أمة واشترط لنفسه كل ولد تلده فهو حلال جائز ، وقد يهب الرجل الحائط ويشترط ثمرته ، يريد اشتراط الثمرة السنة والسنتين ، ولا يجوز فيما كثر ، ويجوز في الولد وإن طالت السنون; لأن المقصود منها المنافع والخدمة ، وهي للموهوب له ، والولد تبع [ ص: 3518 ] وليس بمقصود ، وقد يكون أو لا يكون .

                                                                                                                                                                                        واختلف في من وهب أمة على أن يتخذها أم ولد ، قال ابن القاسم : لا يحل وطؤها على ذلك; فإن أدركها قبل أن يطأها الموهوب له كان الواهب بالخيار بين أن يمضيها بغير شرط أو يردها ، فإن وطئها مضت للموهوب له وإن لم تحمل; لأنه على الوطء وطلب الولد أعطيها ، وقد طلب الولد للوطء ، وكذلك إن حملت مضت له ولا قيمة عليه حملت أو لم تحمل ، وليس كالتحليل في القيمة; لأنه لم يعط الرقبة ، والموهوب له أعطي الرقبة .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : إن علم بذلك بعد الوطء وقبل الحمل خير المعطي ، فإن أمضاها بغير شرط وإلا ردها ، ولو أفاتها المعطي بعتق أو تدبير أو بيع لزمته قيمتها; لأنها فاتت في غير ما أعطيت له .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم : الهبة جائزة ، ويؤمر الموهوب له أن يفي بالوعد ، وإن قال : لا أعطيها الولد . أمر بذلك ولم ينتزع منه . [ ص: 3519 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية