الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن عال في وصيته على ثلثه ، وفي وصية من لا وارث له ، وفي دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن عال في وصيته على ثلثه : يمضي الثلث ويرد الزائد . والأصل في قصر الوصية على الثلث حديث سعد بن أبي وقاص قال : "يا رسول الله ، لا يرثني إلا ابنة لي أفأوصي بمالي كله؟ قال : لا" الحديث ، وحديث عمران بن حصين قال : "أعتق رجل ستة أعبد عند موته ، فأسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق ثلثهم" . وهذا الحديث أصل في الوصية إذا زادت على الثلث أنها تقصر على الثلث ، ولا يبطل جميعها .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت الزيادة يسيرة فقيل فيمن أوصى بعتق عبده إن وسعه الثلث فزادت قيمته على الثلث الشيء اليسير : يعتق ولا يتبع بشيء . وقيل : يتبع بذلك القدر . وقيل : يكون ذلك القدر رقيقا . وقيل : يرق جميعه [ ص: 3601 ] لقول الميت : إن وسعه الثلث فيعتق ، والمراد من المسألة في هذا الموضع القول إنه يعتق ولا يتبع بشيء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أوصى بماله كله ولا وارث له ، فقيل : ليس ذلك له لقول الله -عز وجل- : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون [النساء : 33] ، فلكل ميت وارث ، وإن لم يعرف تصدق به عن الوارث ، وقيل : وصيته ماضية . وحكم من بعد ولم يعرف حكم العدم . أو يبقى المال على حكم الميت يصرفه لمن أحب قياسا على الولاء إذا كان العبد المعتق من العرب إنه يورث بالولاء ، ولو حمل على أنه هناك وارث لا يعرف لتصدق به عنه ، ولم يورث بالولاء ، وهذا إذا أوصى به للأغنياء أو في وجه لو تولاه الإمام صرفه في غيره .

                                                                                                                                                                                        وأما إن جعله في الفقراء أو فيما لو رفع إلى الإمام لفعل به مثل ذلك أو يراه سدادا لم تغير وصيته; لأنه فعل صوابا ، وللاختلاف في ذلك إذا مات عن غير وصية ، هل يجري مجرى الفيء ويحل للأغنياء أو يكون مقصورا على الفقراء؟ واستشهد من أجازه للأغنياء بمسألة الولاء ، ولا يصح أن يسوغ للأغنياء بعد القول إن هناك وارثا لم يعرف على اللقطة . وقال ابن نافع وغيره فيمن اشترى أخاه في مرضه ولا يحمله ثلثه : لم يعتق منه إلا ما حمل الثلث ، إلا ألا يكون له وارث فيعتق من ماله كله ، ويأخذ الفضل وأباه ابن القاسم ، ورأى أنه لا يرث إذا لم يحمله الثلث ، وإن لم يكن له وارث ، والأول أبين للخلاف في ذلك . [ ص: 3602 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية