الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مدبر وهبه سيده وحازه الموهوب له ثم مات السيد ولا مال له سواه]

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم في كتاب محمد في مدبر وهبه سيده ، وحازه الموهوب له ، ثم مات السيد ولا مال له سواه : فإنه يعتق ثلثه ، ويرق ثلثاه للموهوب له . قال محمد : ولو كان على السيد دين استحدثه بعد الهبة ، لكان المدبر للموهوب له ، أو ما رق منه ، ولو كان الدين قبل الهبة ، لكان أهل الدين أحق به بعده ، قال : وأما قول أشهب : فلو كان الدين القديم درهما واحدا والمستحدث يغترق بقيته ، لبيع كله ، قال : ولو أخدمه عشر سنين ، وحازه المخدم ، ثم مات السيد ، فإن خرج من ثلثه أعتق بالتدبير وسقطت الخدمة ، وإن لم يكن له مال سواه أعتق ثلثه ورق ثلثاه ، وكان المخدم أولى بما رق منه إلى تمام الأجل ، ثم يصير إلى الورثة ، وإن كان على السيد دين يحيط به سقط التدبير وكان المخدم أولى به إلى تمام الأجل ، وإن كان الدين يرق [ ص: 3937 ] بعضه كان ما يرق منه الدين للمخدم هو أولى به مع ثلثي ما يبقى منه ، فما رق منه للورثة فهو موقوف للمخدم إلى تمام الأجل ، ولو لم يكن الدين إلا دينارا واحدا لم يبع منه شيئا إلا بعد انقضاء الخدمة ، فإن قلت : إن المخدم يخدم ما يباع منه للدين إلى تمام الخدمة ويعتق ثلثا ما بقي الساعة ، رجع أهل الدين إلى ما أعتق أيضا ، فيقولون : كيف يعتق ولنا دين ولو درهم ، فيكون ذلك لهم ، ويكون الدين أولى من العتق والخدمة التي حيزت أولى من الدين ، وكل ما منع الدين عتقه فالخدمة التي قبل الدين أولى به إلى انقضائها ، قال : ولو آجر مدبره سنة ، وقبض أجرته ، ثم مات بقرب ذلك ، ولم يختلف إلا المدبر ، فقال ابن القاسم : إذا كان ثمن الإجارة يحيط برقبة المدبر- لم يبع منه شيء حتى يتم عمل السنة كلها ، فإذا انقضت- رق ثلثاه للورثة ، وعتق ثلثه ، وإن لم تحط الأجرة برقبته بيع من جميع المدبر بثلث الإجارة ، ويستخدم المستأجر ثلثيه ، فإن فضل منه أكثر من ثلثي المدبر بعد الدين بيع منه في ثلث الأجرة ، وعتق ما فضل عن ثلثي الرقبة ، ويخدم ثلثاه سنة ، فإذا مضت السنة أعتق منه تمام [ ص: 3938 ] الثلث فما بقي بعد الدين ، ورق ثلثاه ، ويرفع ثمن ما بيع منه عن ثلث الأجرة إلى الذي استأجره ، وينفسخ منه ثلث الخدمة .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إذا كان ثمن الأجرة لا يحيط برقبته فأحب إلي ألا يباع منه شيء ، ولو كانت الأجرة دينارا واحدا ، وكان ثمنه واسعا حتى تتم السنة ، فيخرج ثلثه كاملا; لأن كل ما يجب فيه البيع من رقبته ، فالمستأجر أولى به في أجرته من بيعه في الدين . قال : وإنما أراد ابن القاسم أن يعجل فيه العتق ولو بشيء ، وهو حينئذ يرق بذلك أكثر رقبته .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المستخرجة : إذا كانت الأجرة تسعة دنانير ، واستهلكها السيد ، وقيمة الرقبة ثلاثون دينارا ، ولا مال له غيره ، قال : يقسم التسعة دنانير على قيمته ، فيصير على الثلث من المعتق ثلاثة دنانير ، فيباع منه لها ، ويعتق بقية الثلث وهو سبعة دنانير ، ويكون ثلث الخدمة للمستأجر ، وثلثها بين العبد والذي اشترى منه بثلاثة دنانير ، فإذا تمت السنة رجع إلى الورثة ، فيقول : كملوا لي ثلث الميت ، فيخرج ثلثاه وهو عشرون دينارا ، [ ص: 3939 ] وما صار إلى العبد وهو سبعة دنانير ، فجملة ذلك سبعة وعشرون دينارا ، فيعتق من ذلك الثلث وهو تسعة دنانير ، فيزاد العبد دينارين ، قال : ولو كان على السيد دين لأجنبي خمسة دنانير ، فإن هذه الخمسة دنانير تضاف إلى الثلاثة التي تنوب العتق; لأن ثلثي الورثة لا سبيل لأصحاب الدين عليه; لأن المستأجر أحق به ، ودين الأجنبي أولى من عتق المدبر ، فيباع من العبد بثمانية دنانير ، فإذا انقضت السنة ودفع ثلثا العبد للورثة- رجع عليهم ، فيعتق منه تمام الثلث . [ ص: 3940 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية