باب في النصراني يكاتب عبده ثم يريد الرجوع عن ذلك قبل أن يسلم العبد أو بعد إسلامه وكيف إن كاتبه بعد أن أسلم
اختلف في فقال النصراني يكاتب عبده النصراني، ثم يريد فسخ كتابته وبيعه على أنه لا كتابة له، لا يمنع من ذلك، وليس هذا من التظالم والعتق أعظم من ذلك، ولو أعتقه ثم رده في الرق لم يعرض له. ابن القاسم:
وقال قال بعض الرواة: ليس ذلك له، وهو من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم عليه. سحنون:
قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه: أما فهي من ناحية العتق، والعتق بابه باب الهبة، وما لم يخرج على العوض فله الرجوع عنه، ولا يجبر على الوفاء به، وإن كانت على أكثر من الخراج، فالشيء الكثير من ناحية البيع والمعاوضة، فيحكم بينهم إذا امتنع السيد من الوفاء كما يحكم بينهم في البيع. إذا كانت الكتابة على الخراج أو ما قاربه
واختلف أيضا فقال إذا كاتبه وهو نصراني ثم أسلم العبد، في المدونة: تباع كتابته، قال إسماعيل القاضي في المبسوط: يباع عبدا، وهذا نحو [ ص: 4008 ] الأول، فإن كانت الكتابة على أكثر من الخراج، بالشيء الكثير بيع مكاتبا؛ لأنه لو لم يسلم وأراد رد كتابته وبيعه عبدا غير مكاتب منع من ذلك، فأحرى إذا أسلم أن يمنع من ذلك، وإن كانت الكتابة على الخراج أو ما قاربه بيع مكاتبا على نحو ما عقد له، إلا أن يقول: أنا أرجع فيما عقدت له، فيباع عبدا، ولا يبرأ بالبيع على أنه لا كتابة له حتى يقول: أنا أرجع فيما عقدت له، وعلى هذا يحمل القولان في مدبر النصراني يسلم فيقول: إنه يؤاجر ولا يباع ما دام النصراني لم يرجع عن التدبير، فإن رجع عنه بيع عبدا لا تدبير فيه، ولا تكون الكتابة والتدبير أوجب من العتق كما قال مالك وهو لو أعتقه ثم لم يبنه عن يده حتى أسلم لكان له أن يرده في الرق فهو في الكتابة والتدبير أبين أن له الرجوع عن ذلك، ولو أسلم السيد دون العبد فكذلك أيضا له فسخ كتابته على قول ابن القاسم، وليس ذلك له على قول غيره، وإذا رضي السيد أن يباع مكاتبا، ولم يرجع عما عقد، وكان ذلك الحكم؛ لأنها كانت من ناحية البيع، فإن كانت الكتابة على خمر أو خنزير نظرت، فإن أسلم المكاتب، فإن كان لم يؤد شيئا فكتابته قيمة -رقبته- وإن أدى النصف كان عليه نصف قيمة الرقبة، وهذا قول ابن القاسم، قال فلو غفل عنه حتى أدى جميع ما عليه من الخمر [ ص: 4009 ] والخنازير، وعتق بذلك؛ لأن السيد رضي بعتقه بأخذ الخمر والخنزير، قال: ألا ترى أنه لو باع كتابته بعدما أسلم من نصراني أو وهبها له أن البيع والهبة ماضيان وتباع الكتابة على هذا الذي صارت إليه. سحنون،
يريد: ويكون المشتري بالخيار إذا كانت خمرا أو خنازير؛ لأنه نصراني اشترى ما يجوز له قبضه، فإذا منعه إسلام المكاتب من قبضه ورجع إلى قيمة الرقبة كان له رد الكتابة ولو كانت قيمة الرقبة أكثر من قيمة الخمر؛ لأنه له غرض في عينه، وقد يقال: ليس له إلا القيمة، جائحة على مشتري الكتابة، وقال بعض أهل العلم: إذا أسلم المكاتب وقد أدى بعض الخمر وبقي عليه منه أن عليه جميع قيمة الرقبة؛ لأن العتق إنما يقع بآخر جزء من الكتابة، وهو لو عجز وقد بقي عليه شيء رجع رقيقا فدل أن لا يعتق إلا بآخر جزء من الكتابة ولا يكون كل جزء ودى من الكتابة يقابله من الحرية بقدر الأداء، بل الأمر موقوف على آخر النجوم، وبهذا فارق المهر لو تزوجها على مهر خمر أو خنزير فقبضت بعضه؛ لأنه كالدين والبراءة تصح منه، وليست الكتابة كالدين، وعلى قياس قول وإسلام المكاتب ابن عبد الحكم: إذا أسلم المكاتب عليه قيمة الخمر قياسا على قوله إذا أسلم في خمر ثم أسلم المطلوب، وإذا أسلم سيد المكاتب فيختلف فيه، فقيل: يكون على المكاتب قيمة الخمر، وقيل: رقبته وهي جائحة طرأت عليه. [ ص: 4010 ]