الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في المواضع التي يصلى فيها وما تكره الصلاة فيه من ذلك

                                                                                                                                                                                        يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة في الموضع الطاهر، ولا يصلى في موضع فيه نجاسة، ولا فيما الغالب كون النجاسة فيه وإن لم ير عينها كالمجزرة، والمزبلة، والطريق الكثير المسالك; لما يكون من الدواب المارة عليها .

                                                                                                                                                                                        وفي الترمذي قال: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وأعطان الإبل، وفوق ظهر بيت الله الحرام" .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الصلاة في المقبرة وفي الحمام وأعطان الإبل، وإن بسط ما يصلي عليه، وفي الصلاة في الكعبة وفوق ظهرها، فأجاز مالك في المدونة الصلاة في المقابر وفي الحمام ، وأجاز ابن القاسم الصلاة في المقابر وإن كان القبر بين يديه .

                                                                                                                                                                                        وذكر أبو مصعب عن مالك أنه كان يكره الصلاة في المقبرة. [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : تكره الصلاة داخل الحمام وفي المقبرة الجديدة في الجملة، وتجوز إن فعلت، وإن كانت قديمة وفيها نبش فلا تجوز إلا أن يجعل حصيرا يحول بينه وبينها. وتكره في مقابر المشركين جملة من غير تفصيل .

                                                                                                                                                                                        فكره الصلاة في المقبرة مع كونها جديدة وطاهرة الموضع للحديث ، فإن فعل مضى; لأن الموضع طاهر، فلم يمتنع الإجزاء. وهذا أحسن.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تمنع الصلاة في المقبرة وإلى القبر والجلوس عليها والاتكاء إليها، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تتخذ القبور مساجد ، وفي كتاب مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " . ولأن للميت حرمة ومن حقه ألا يمتهن بالقعود عليه والاتكاء.

                                                                                                                                                                                        وفي سماع ابن وهب قال: سمعت الليث يكره الصلاة في القبور والجلوس عليها والاتكاء عليها. [ ص: 347 ]

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم، ولا خير في الصلاة في معاطن الإبل . قال في المجموعة: وإن لم يجد غيرها وإن بسط ثوبا فلا يصلي فيها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب عن ابن مزين: وإنما كره ذلك لأن الناس يستترون بها عند الخلاء، قال: وهذا في المناهل، وأما المزبلة فلا بأس.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : إن ذلك لاستتار الناس بها . قال: فيكره وإن فرش ثوبه، ومن صلى فيها جاهلا أو عامدا أعاد أبدا; كمن تعمد الصلاة في الموضع النجس.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: في من صلى وأمامه جدار مرحاض: فلا بأس به إذا كان موضعه طاهرا .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: فإن ظهرت النجاسة في ذلك الجدار ببلل أو غيره مما أشبهه لم يصل إليه; لأنه يصير مصليا إلى نجاسة، وينبغي أن تنزه الصلاة عن قرب النجاسات .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : لو تعمد الصلاة إلى نجاسة وهي أمامه أعاد، إلا أن تكون بعيدة جدا، وينبغي أن تنزه الصلاة عن قرب النجاسة وأن يصلى [ ص: 348 ] عليها، وإن فرش ثوبا.

                                                                                                                                                                                        وكره مالك الصلاة في الكنائس والبيع قال : لنجاستها ولما فيها من التصاوير .

                                                                                                                                                                                        وقال الحسن: تكره الصلاة في الكنائس والبيع; لأنها أسست على غير التقوى.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ولا أستحب النزول فيها إذا وجد غيرها. وكره ابن القاسم الصلاة إلى قبلة فيها تماثيل .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب عن مالك: لا يصلى على بساط فيه تصاوير إلا من ضرورة .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الخاتم فيه التماثيل: لا يلبس ولا يصلى به .

                                                                                                                                                                                        وقال سعيد بن جبير: لا ينقش في خاتمه ذكر الله ، ولا شيئا فيه الروح. [ ص: 349 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية