الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الاختلاف في الولاء

                                                                                                                                                                                        وإذا اختلف رجلان في ولاء رجل، وقال كل واحد منهما: أنا أعتقته، ولا بينة لهما، فإن أقر المدعى عليه بالولاء لأحدهما كان مولاه، وإن قال: كلاهما أعتقني كان مولاهما جميعا، وإن أنكرهما وقال: لم يتقدم علي رق -كان القول قوله، وإن قال: أنا معتق لغيركما -كلف الإقرار لمن أعتقه، فإن سماه وادعاه المقر له كان مولى له دون هذين، وإن قال المقر له: لم أعتقه، أو قال الآخر: لا أسمي من أعتقني -لم يقبل قوله، وألزم أن يقر، فإن تمادى على الإنكار كان مولى لهذين بعد أيمانهما بعضهما لبعض، وإن أقام كل واحد منهما بينة أنه أعتقه، وكانت إحدى البينتين أعدل -قضي به لأعدلهما، وسواء كان مقرا للآخر أو منكرا لهما، وإن تكافئوا في العدالة كان تكاذبا، فإن أقر لأحدهما كان فيهما قولان، فقال ابن القاسم: هما بمنزلة من لا بينة له ويكون الولاء لمن أقر له. وقال: قال مالك: إذا تكافأت البينتان والحق في يد أحدهما فالحق لمن هو في يديه وإقرار هذا بمنزلة من الحق في يديه. [ ص: 4136 ]

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: لا يقبل إقراره، وهو بمنزلة الدار يدعيها رجلان ولا يد عليها لأحد منهما ويقيمان البينة، ويقر الذي هي في يديه أن الدار لأحدهما فلا يقبل قوله. وكذلك قال مالك في المرأة يدعي نكاحها رجلان ويقيمان البينة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله: كلا القولين فيه نظر، وأرى: ألا يقبل قوله في الولاء، ويقبل قوله في الدار وقول المرأة في النكاح؛ لأن المعتق لا يصح أن يبقى ولاؤه لنفسه، وإذا لم يصح ذلك لم ينظر إلى قوله، ومن بيده الدار يصح بقاؤها له إذا ادعاها لنفسه، وإذا صح أن تبقى لنفسه صح إقراره لغيره بها.

                                                                                                                                                                                        وأما المرأة فإن أنكرتهما، وقالت: لم أتزوج واحدا منهما، كان القول قولها، وإن قالت: تزوجت هذا دون الآخر، كان القول قولها وإن قالت: كلاهما تزوجني ولكن هذا الأول منهما... يكون مولى لها، قياسا على الدار يدعيها رجلان ويقيمان البينة ويتكافآن وهي بيد الثالث فقيل: تبقى لمن هي في يديه، [ ص: 4137 ] وقيل: تنزع من يده ويقتسمانها. فعلى القول الأول لا يكون لواحد من هذين من ولاية شيء. وعلى القول الآخر يكون مولى لهما، وإن قال: أنا معتق لفلان وادعاه فلان يختلف هل يكون مولى لمن أقر له أو لهما؟ وإن اعترف أنه مولى ولم يعترف لأحد بعينه كان مولى لهما. [ ص: 4138 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية