الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اللباس في الصلاة

                                                                                                                                                                                        قال الله -عز وجل-: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد [الأعراف: 31]. قال مالك في العتبية: ذلك في الصلوات في المساجد، فيكره أن يصلي بغير رداء . وذهب على أن الهيئة التي يصلى عليها في المسجد أرفع من الهيئة التي تؤدى بها الصلاة في البيوت.

                                                                                                                                                                                        وقال في المدونة: أكره للإمام أن يصلي بغير رداء إذا أمهم في مسجد من مساجد الجماعة أو مسجد القبائل، إلا أن يكون أم قوما في سفر أو موضع اجتمعوا فيه أو في داره، فأحب إلي أن لو جعل العمامة على عاتقه إذا كان مسافرا أو صلى في داره .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في شرح ابن مزين في الآية- الزينة: الأردية، والمساجد: الصلوات. وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يؤمر المصلي أن يصلي في ثوب ساتر لجميع جسده مغطى الرأس.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الواجب من ذلك، فقيل: يجب عليه ستر جميع الجسد.

                                                                                                                                                                                        وقيل: الواجب أن يصلي مؤتزرا بوسطه، ولا شيء عليه فيما سوى ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقيل: يغطي السوأتين جميعا خاصة. [ ص: 366 ]

                                                                                                                                                                                        وقيل: لا يجب ستر سوأته ولا غيرها إذا صلى في بيته.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الفرج: يجيء على المذهب أن يكون فرضا. يريد: جميع الجسد، قال: لقول مالك في الكفارة: إن كسا فيها المساكين وكانوا نساء; فدرع وخمار، وإن كانوا رجالا; فثوب، وذلك أدنى ما تجزئ فيه الصلاة. لأن مالكا لا يرى أن يجزئ المكفر المئزر، وهذا رجوع منه إلى القول أن الآية في الفذ وغيره سواء.

                                                                                                                                                                                        ويؤيد ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" . ولأن الزينة لا تقع على من صلى بمئزر في وسطه لا غير ذلك. وذهب ابن القاسم إلى أن الفرض أن يصلي بمئزر لا غير ذلك، وإن صلى عريانا أعاد أبدا، وإن صلى بمئزر لم يعد في الوقت ولا بعده.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ولو صلى رجل وانكشف الفخذ لم يعد، وإن صلت امرأة مكشوفة الفخذ أعادت في الوقت .

                                                                                                                                                                                        فلم ير الفرض في الرجل إلا السوأتين.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : من صلى عريانا أو في ثوب يصف أو في قميص لا يبلغ الركبتين أو يبلغهما، فإن سجد انكشفت عورته أعاد ما دام في الوقت . فرأى [ ص: 367 ] أن ستر السوأتين سنة وأن الفخذ عورة.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا فيمن صلى في تبان أو سراويل أعاد ما دام في الوقت; فستر العورة عن أعين المخلوقين فرض .

                                                                                                                                                                                        واختلف في سترها في الصلاة إذا صلى مخليا في بيته هل ذلك فرض أو سنة؟ وستر ذلك عن الملائكة مستحب، وهذا في السوأتين.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الفخذ في جميع ذلك هل هو عورة أم لا؟ وفي الترمذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم" .

                                                                                                                                                                                        وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه نهى عن لبستين: عن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السماء" ، وهذا لفظ البخاري في كتاب اللباس .

                                                                                                                                                                                        قال مالك في العتبية: اشتمال الصماء: أن يشتمل الرجل بالثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحته وليس عليه مئزر، وأجازه إن كان عليه مئزر، ثم كرهه . [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                                        قال: والاضطباع: أن يرتدي ويخرج ثوبه من تحت يده اليمنى .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وهو من ناحية الصماء .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : اشتمال الصماء أن يلتحف بالثوب ويرفعه على أحد جانبيه فلا يكون ليده مخرج، ولذلك سميت الصماء .

                                                                                                                                                                                        والاحتباء: أن يجلس ويضم ركبتيه إلى نحو صدره ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ به ركبتيه ويشده حتى يكون كالمعتمد عليه، فهذا إذا كان عليه ثوب يستر العورة، فهو داخل في قسم المباح .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: فإن لم يكن عليه ما يستر عورته; منع لحق الملائكة، ولإمكان أن يقف عليه أحد; فيطلع على ذلك منه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية