الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن اشترى سلعة أو عبدا فهلك بيد البائع، أو شيئا مما يكال أو يوزن فهلك قبل الكيل والوزن، أو بعد كيله ووزنه وقبل أن يفرغ في وعاء المشتري

                                                                                                                                                                                        ومن اشترى ثوبا أو عبدا فهلك بيد البائع، فإنه لا يخلو أن يكون ذلك لا سبب فيه لآدمي، أو يكون هلاكه من سبب البائع أو أجنبي أو مشتر.

                                                                                                                                                                                        فاختلف عن مالك إن كان لا سبب فيه لآدمي، فقال مرة: المصيبة من البائع. وقال أيضا: من المشتري. وسواء كان البيع سلعة أو حيوانا حاضرا أو غائبا. واستحب ابن القاسم إذا كان المبيع حاضرا أن يكون من المشتري، وإن كان غائبا أن يكون من البائع.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في "مختصر ما ليس في المختصر": إن كان المشتري من أهل البلد وهو موسر، كانت المصيبة من البائع، وإن كان غريبا وليس بموسر كانت المصيبة من المشتري، وإن كان الأجل عشرة أيام ونحوها فهو من البائع؛ لأنه كالرهن في يديه.

                                                                                                                                                                                        فرأى في القول الأول أن البيع التقابض، أن تعطيني عبدك وأعطيك عشرة دنانير، وما تقدم، فإنما هو عقد أوجب أن أعطيك وتعطيني، ولهذا قال: المصيبة من البائع وإن كان البيع عبدا أو ثوبا وقامت البينة على تلفه. ورأى في القول الآخر أن العقد بيع في الحقيقة، فنقل الضمان بنفس العقد. [ ص: 4365 ]

                                                                                                                                                                                        والتعليل بأمر التسليم ليس بحسن؛ لأنه إن كان يرى أن عليه التوفية والتسليم، فإن التراخي عنهما لا يسقطهما كما لا يسقط ما كان باقيا على الكيل، فإن التراخي عنه لا يسقطه، وإن كان يرى أن البيع عقد في الحقيقة، فعلى المشتري أن يسلم ذلك، وإنما على البائع أن يرفع يده عنه.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول إن عليه التسليم، فقال أبو الحسن ابن القصار: الذي يجيء على المذهب أحد وجهين: إما أن يجبر المبتاع على تسليم الثمن، ثم يؤخذ من البائع المبيع، أو يقول لهما: إن لم يتطوع أحدكما فيبتدئ بالتسليم، أو تكونا على ما أنتما عليه. وأن يجبر المبتاع أقوى.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله: أما إذا كان المبيع ثوبا بثوب، فعلى كل واحد منهما إذا تشاحا أن يمد يده بثوبه، فإذا تحاذيا قبض كل واحد منهما ما اشتراه.

                                                                                                                                                                                        وإن بيع ثوب بعين كان على مشتريه أن يزن الثمن ويقلب، فإذا لم يبق إلا تسليمه، مد كل واحد منهما يده بملكه نحو الأول لأنه لا تبدية لأحدهما على الآخر.

                                                                                                                                                                                        وإن كان المبيع دارا أو أرضا أو حائطا أو ما لا بنيان به، جبر المشتري على البداية بدفع الثمن؛ لأنه ليس على البائع أكثر من رفع يده والتسليم، فالقول إذا كان المبيع فارغا من أشغاله.

                                                                                                                                                                                        وإن كان المبيع منافع دابة أو دار، ولم تكن عادة في تعجيل الكراء ولا تأخيره، كان للمكتري أن يبتدئ بالركوب والسكن، فكلما مضى يوم دفع ما ينوبه؛ لأن المنافع لا يقدر على قبضها كالثوب، ولا يقدر الآخر أن يعطيه كلما مشى خطوة أو ساعة بحسابها، وليس على المكتري أن يبتدئ بالدفع ثم يقبض ما يتراخى قبضه، فكان لتغليب أحد الأمرين أن يبتدئ بدفع ما يتراخى قبضه، [ ص: 4366 ] وأقل ما يكون في المحاسبة عنه خرج يوم.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول: إن العقد بيع في الحقيقة، فإن كان بيع الثوب بعين، كان على بائع الثوب تسليمه ثم يطلب بالثمن، وإلى هذا يرجع قول مالك في " مختصر ما ليس في المختصر": إذا كان المشتري موسرا ومن أهل البلد.

                                                                                                                                                                                        يريد: أن البائع يصير في حكم المتعدي في إمساكه؛ لأن المبيع صار للمشتري بنفس العقد، وللبائع مطالبته في الذمة بالثمن، فعليه أن يسلم للمشتري ملكه، ويطلب بالذمة، والإمساك حتى يقبض الثمن ضرب من الارتهان، والارتهان لا يكون إلا بشرط.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان المشتري على غير ذلك فقيرا أو غريبا، كان الإمساك من سبب المشتري فكانت المصيبة منه، ورأى أن الأجل قريب كبياعات النقود، يكون للبائع أن يمسك المبيع حتى يقبض الثمن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية