الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [إذا وكله على شراء فقال أمرتك أن تشتري قمحا وقال الآخر تمرا]

                                                                                                                                                                                        اختلف إذا كان وكيلا على الشراء فقال: أمرتك أن تشتري قمحا، وقال الآخر: تمرا، وقد اشتراه، فقال مالك في المدونة: القول قول الرسول مع يمينه، قال ابن القاسم: لأنه لما كانت الذهب مستهلكة بالشراء كان الآمر مدعيا. يريد تضمينه فلا يقبل قوله.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد: القول قول الآمر، ورأى أنه لا يؤخذ بغير ما أقر به. والأول أحسن; لأن الرسول مؤتمن على الشراء، فكان القول قوله أنه لم يتعد; لأن الغالب أن الصدق في جهته، وليس يتهم الإنسان على أن يشتري غير ما أمر به; لأن ذلك لا يفيده شيئا، ويتهم الآمر إذا أتاه بما فيه خسارة أو حدث فيه فساد أو ضياع، وإن بين الرسول أنه وكيل لفلان يشتري له بماله ولم يغب البائع- حلف الآمر وأخذ ماله قولا واحدا، وإن غاب البائع أو افتقر كان المقال قائما بين الآمر والمأمور وعاد الخلاف المتقدم.

                                                                                                                                                                                        وإن شهدت بينة أن ذلك المال للموكل ولم يكن الوكيل بين للبائع أنه وكيل لفلان بماله- كان الخلاف على حاله; لأن الموكل إن أخذ المال بقي على الوكيل، وكان القول قوله، أنه لم يتعد.

                                                                                                                                                                                        وإن شهدت البينة أنه وكله على أن يشتري له بماله هذا، ولم يثبت على [ ص: 4645 ] ماذا وكله أن يشتري به- كان لربه أن يحلف أنه وكله على صنف كذا ويأخذ ماله، فإن نكل مضى الشراء؛ لأنها يمين لا ترجع على البائع; لأن يمين الآمر للبائع يمين تهمة، وإذا مضى البيع لم تكن على الوكيل يمين; لأنه يقول: إذا صار المقال بيني وبينك كنت أنا المبدى، فأنا أرد اليمين عليك وأنت قد نكلت.

                                                                                                                                                                                        وإن شهدت البينة بالوكالة وأنه خالف ما أمره به، وكان الثمن سلفا من عند الوكيل- لم ينقض البيع; لأن الوكيل أقر أن الشراء بوجه جائز وأن البينة كذبت، وأن السلف كان بوجه صحيح لا يجب رده من قابضه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا اتفقا أن الوكالة كانت على شراء عبد أو ثوب، فاشتراه بخمسين، وقال: بذلك أمرتني، وقال الآمر: بأربعين، فقال مطرف: القول قول الآمر. وعلى القول الآخر القول قول الوكيل; لأنه أمين على الشراء مدعى عليه العداء. وهذا إذا أشكل ما قالا; لأنهما أتيا بما يشبه، فإن أتى أحدهما بما لا يشبه كان القول قول من أتى بما يشبه قولا واحدا، فإن أتى المأمور بما لا يشبه ولم يعلم بما اشتراها به كان للآمر أن يأخذها ويغرم ما يشبه أن تباع به، ويحمل على المأمور أنه غيب الثمن.

                                                                                                                                                                                        وكل هذا إذا لم يبين الوكيل للبائع، فإن أخبره أنه وكيل لفلان بماله- كان القول قول الآمر قولا واحدا، ويصير بمنزلة من وكل على نكاح امرأة فزوجها [ ص: 4646 ] بمائة، وقال: بذلك أمرتني، وقال الزوج: بخمسين- كان القول قول الزوج; لأن الوكالة على التزويج تتضمن العقد خاصة، والزوج هو الدافع للثمن والقابض للمثمون.

                                                                                                                                                                                        ولو كان وكيلا على التزويج وأن يدفع الصداق من عنده سلفا كان القول قول المأمور; لأنه لو برئ الزوج مع قيام المبيع وحلف وبرئ أدى ذلك إلى غرم الوكيل وخسارته; لأنه مقر أنه نقد بوجه جائز، وأنه لا يحل له انتزاع ذلك من الزوجة وأن الزوج ظالم في إنكاره.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية