الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن أمر رجلا أن يشتري له جارية بربرية، فبعث إليه المأمور بجارية بربرية ثم أتى بأخرى، وقال: هذه التي اشتريتها لك، وتلك وديعة]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن أمر رجلا أن يشتري له جارية بربرية، فبعث إليه المأمور بجارية بربرية ثم أتى بجارية بربرية، وقال: هذه التي اشتريتها لك، وتلك وديعة، ولم يبين ذلك في حين البعث، فإن كانت الأولى قائمة حلف وأخذ الأولى وأسلم الثانية، وإن فاتت الأولى بحمل أو عتق أو كتابة أو تدبير لم أر له شيئا، ولم أر له عليها سبيلا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن كانت للمأمور بينة أنه اشترى الأولى لنفسه أخذها وقيمة ولدها، وإن لم تكن له بينة كان الآمر بالخيار إن شاء أخذ الثانية بما اشتراها به، وإن [ ص: 4647 ] شاء أسلمها، وعليه في الأولى الأقل مما اشتراها به أو الذي سماه له.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن صدق الآمر الوكيل أن الأولى وديعة وأخذ الثانية- أن لا شيء عليه في الأولى; لأنه يقول: إذا قامت البينة على أن الأولى وديعة لم يكن عليه في الأولى سوى تسليمها على أحد قولي مالك وقيمة الولد، وكما لو غلط فسلم إليه ثوبا سوى ثوبه فقطعه لم يكن عليه في القطع شيء في أحد القولين، فإن كان لها مال كان للباعث أن ينتزعه ولا يصيبها واحد منهما، وكذلك إن أعتقها الآمر وصدق الباعث أنها وديعة- له أن يأخذ الثانية ولا شيء عليه في الأولى; لأنه يقول: الشرع يمنع رد العتق، فإن ماتت عن مال أخذته.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: على الآمر قيمة الأولى، وسواء كانت بينة على أصل الشراء، أو على الإقرار فقط; لأنه أباحه إياها، وعليه قيمتها فقط.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية فيمن بعث مع رجل مالا في شراء جارية، فاشتراها له ثم وطئها وأعطاه غيرها، فوطئها الآمر فحملتا جميعا ثم أقر بذلك، أو قامت بينة، فإن عذر المأمور بالجهالة، وتأول أن له أن يأخذها ويعطي الآمر غيرها لا على وجه الزنا: لم يحد، وخير الآمر في أخذ جاريته وقيمة ولدها، وذكر الخلاف الذي في المستحقة، قال: ويخير في الجارية التي في [ ص: 4648 ] يديه إن شاء ردها على المأمور ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وقال أيضا: مع قيمة ولدها، وإن شاء دفع إليه قيمتها. وإن لم يعذر المأمور بالجهل حد وأخذها الآمر وولدها رقيقا له.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد في الجارية المعينة: يحد. ولا فرق بين المعينة وغيرها، فإن كان ممن لا يجهل حد فيهما جميعا; لأن غير المعينة ملك للآمر بنفس الشراء، وإن كان ممن يجهل ذلك لم يحد معينة كانت أو غير معينة، فإن كان ممن لا يجهل أخذ الأمة وولدها، وإن كان ممن يجهل ذلك أخذ الأمة وقيمة ولدها.

                                                                                                                                                                                        والقول: إنه يأخذ قيمتها كالمستحقة- ليس بحسن; لأن المأمور ها هنا الذي أخطأ على ملك غيره مع علمه أنها له، وفي المستحقة لم يعلم. وقوله: إن الآمر الذي في يديه بالخيار- حسن، فإن أحب حبسها; لأن المأمور رضي بتمليكه إياها، وإن أحب ردها ولا شيء عليه في الولد; لأنه سلطه عليها، والتسليط على الوطء تسليط على الولد، فإن أمسكها وأخذ جاريته غرم قيمة هذه ما بلغت، وإن لم يأخذ جاريته وأمسك هذه كان بالخيار بين أن يأخذها عن تلك حسبما رضي به المأمور، وإن أحب غرم قيمتها وأخذ قيمة جاريته. وقول ابن القاسم في المسألة الأولى لم أر له شيئا. يريد: من زيادة قيمة الثانية على الأولى. [ ص: 4649 ]

                                                                                                                                                                                        قال: وقال مالك فيمن أمر رجلا يشتري له جارية بمائة فاشتراها بمائة وخمسين وفاتت بحمل: فليس له إلا المائة.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: له قيمتها ما لم تجاوز مائة وخمسين. والأول أحسن; لأنه كان في غنى عن الزائد ولم يصن به ماله.

                                                                                                                                                                                        ولو أمره أن يشتري له ثوبا بمائة فاشترى له بمائة وخمسين ولم يعلم حتى أبلاه، فإن كان الأمد الذي بلي فيه هو الأمد الذي يبلى فيه لو اشترى ما أمره لم يكن عليه شيء، وإن بلي هذا في أبعد من الأول أخذ قيمة ما بقي منه بعد الأمد الذي فيه يبلى الأول، ولو أدركه في الوقت الذي كان فيه يبلى الأول أخذ الباقي، وإن أدركه في أول لباسه وقد ذهب ربع منفعته أخذه، وكان له من الثمن نصف الثمن الذي أمره به إن كان لو لبس المأمور به ذهب نصف منفعته.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية