الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الوكالة على بيع الرهن ثم يختلفان فيما رهن فيه

                                                                                                                                                                                        ومن وكل رجلا يرهن له ثوبا، فرهنه، ثم قال المرتهن: رهنته في عشرة، وقال صاحبه والرسول هو في خمسة- فإن كانت قيمته عشرة كان القول قول المرتهن مع يمينه: أنه في عشرة، وكان الآمر بالخيار بين أن يفتكه بعشرة، أو يسلمه للمرتهن، ثم يعود المقال بين الآمر والرسول، فيحلف الرسول أنه لم يقبض إلا خمسة; لأن يمين المرتهن تهمة على الرسول، أن يكون قبض عشرة وأمسك خمسة.

                                                                                                                                                                                        فإن نكل غرم خمسة، وليس له أن يرد اليمين على الآمر; لأنها يمين تهمة، فإن نكل المرتهن حلف الآمر أنه لم يأمره إلا بخمسة وما أوصل إلا خمسة، ودفع خمسة وأخذ رهنه، ثم لا يكون بين المرتهن والرسول يمين; لأن له أن ينكل فيرد اليمين على المرتهن، وهو قد نكل عنها.

                                                                                                                                                                                        فإن نكلا جميعا -المرتهن والآمر- غرم الآمر عشرة، ثم عاد الأمر بين الآمر والرسول حسبما تقدم، فيحلفه لأنه يتهمه أن يكون أمسك خمسة، فإن نكل غرم.

                                                                                                                                                                                        وإن قال المرتهن والرسول: هو في عشرة حلفا جميعا وغرم الآمر عشرة ويبرأ من الرهن، فإن حلف المرتهن ونكل الرسول حلف الآمر أنه لم يوصل إليه إلا خمسة، وغرم خمسة، والرسول خمسة، وأخذ رهنه; لأنه إذا خلصت الدعوى بين الرسول والآمر كان الرسول المبدى; لأنه أتى بما يشبه لما كانت قيمة الرهن عشرة، فيقول: أنا أرد اليمين عليك وأنت قد نكلت عنها. [ ص: 4658 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كانت قيمة الرهن خمسة، وقال الآمر والرسول: هو في خمسة- حلفا ودفع صاحبه الخمسة وأخذ رهنه.

                                                                                                                                                                                        فإن حلف الآمر ونكل الرسول حلف المرتهن أنه دفع إليه عشرة، ويغرمه الخمسة الباقية، فإن نكل فلا شيء له. وإن نكل الآمر حلف المرتهن أنه في عشرة وأخذها، وحلف الرسول للآمر أنه لم يقبض إلا خمسة، فإن نكل غرمها للآمر ولم يكن له أن يرد عليه اليمين; لأنها يمين تهمة. وإن قال الرسول: هو في عشرة- حلف الآمر أنه في خمسة وأخذ رهنه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الرسول، فقيل: يغرم خمسة; لأنها زائدة على قيمة الرهن. وقيل: يحلف أنه أوصل عشرة ويبرأ; لأن المرتهن صدق الرسول أنه أمر بعشرة مع إمكان أن يكذبه الآمر، وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك في كتاب الوديعة فيمن أتى إلى مودع فادعى أن صاحب الوديعة بعثه لأخذها، ثم أتى صاحبها فأنكر أن يكون بعثه، فحلف وغرمها المودع، هل يرجع المودع على من قبضها منه; لأن المودع كذبه وأنكر أن يكون أرسله، أو لا يغرم; لأن المودع صدقه؟

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب العارية فيمن زعم أنه أرسل ليستعير شيئا، فزعم أنه فيه رسول، ثم أنكر المدعى عليه الرسالة هل يكون للمعير أن يرجع على الرسول؟

                                                                                                                                                                                        وإذا كان القول قول الرسول أنه أمر بعشرة فنكل- غرم خمسة; لأن يمينه للمرتهن يمين تهمة; لأنه يتهمه أنه لم يوصل إلا خمسة.

                                                                                                                                                                                        فإن نكل الآمر وحلف المرتهن أنه في عشرة غرمها الآمر، ولا يمين للآمر على الرسول; لأن الرسول يدعي على الآمر التحقيق أنه أوصل إليه عشرة- [ ص: 4659 ] فله رد اليمين، وهي يمين قد نكل عنها الآمر.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن قال الراهن: هو في خمسة. وقيمة الرهن عشرة. وقال الرسول: هو في خمسة عشر. وقال المرتهن: هو في عشرين- حلف المرتهن، ثم يحلف صاحب الثوب، ثم إن أحب أخذ ثوبه وغرم عشرة، ثم يكون على الرسول يمينان، ويغرم الخمسة التي زادت على قيمة الثوب، فيحلف يمينا لصاحب الثوب: أنه أوصل إليه عشرة، ويمينا للمرتهن: أنه لم يقبض منه عشرين. وقد تقدم ذكر الاختلاف في الرسول هل يغرم الخمسة؟ وأن لا شيء عليه فيها أحسن.

                                                                                                                                                                                        وقال المخزومي فيمن أعار رجلا ثوبا ليرهنه لنفسه فرهنه في عشرة، وهي قيمته، فقال ربه: لم آذن لك أن ترهنه إلا في خمسة، وقال المرتهن: في عشرة- كان القول قول المعير مع يمينه. يريد إذا كان المستعير فقيرا، فيحلف صاحبه أنه لم يأذن له إلا في خمسة ويغرمها ويأخذ ثوبه; لأنه واهب والقول قوله: أنه لم يهب له إلا ما أقر به.

                                                                                                                                                                                        كمل كتاب الوكالات

                                                                                                                                                                                        بحمد الله وعونه

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية