الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من اشترى نخلا بثمارها في عقد أو عقدين فأصيب الثمر

                                                                                                                                                                                        ومن اشترى نخلا بثمارها فلا جائحة في الثمار، وسواء أصيبت قبل صلاحها أو بعد.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب": إن أصيبت بعد الطيب وكانت مما يطعم قدرها كانت فيه الجائحة على سنتها، وإن كانت لا قدر لها فهي تبع لا جائحة فيها.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن كل مبيع سلم إلى مشتريه وقبضه على ما يقبض عليه أمثاله فأصيب لم يكن على البائع منه شيء، وقد سلم البائع ها هنا الثمار مع الأصول وكان سقيها على المشتري وإن اشتراهما في عقدين، فإن اشترى الأصل ثم الثمرة بعد بدو صلاحها جاز الشراء فيها.

                                                                                                                                                                                        واختلف في جائحتها، وإن لم تكن صلحت كان الشراء مختلفا فيه. ومن أجازه أسقط الجائحة، والخلاف إذا صلحت في الجائحة لا في البيع، وإذا لم تصلح كان الخلاف في البيع لا في الجائحة، فقال ابن القاسم في "المدونة": إن اشتراها مشتري النخل بعد طيبها ثم أصيبت كانت من المشتري. وقال في "كتاب محمد": مصيبتها من البائع. [ ص: 4767 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في تعليل سقوط الجائحة عن البائع، فقيل: لأنها ألحقت بالعقد الأول فتصير بمنزلة ما لو اشتراهما في عقد، وهو ظاهر قوله في "المدونة". وقال سحنون: لأنه لا سقي على البائع فيها. والقول أن مصيبتها من البائع أحسن; لأنهما عقدان وأن سقيها على البائع، وهو الذي يقتضيه مجرد العقد إلا أن يشترط سقوط السقي، أو يفهم ذلك بعضهم عن بعض.

                                                                                                                                                                                        ولو قيل: إن السقي عليهما قبل أن يشتري المشتري الثمرة لكان وجها; لأن منفعته لهما جميعا للأصول وللثمرة إلا أن تكون الأصول لا تحتاج إلى سقي في تلك المدة أو لم تكن فيها ثمرة، فيكون السقي على البائع أبقاها لنفسه أو باعها بعد ذلك، إلا أن يشترط في حين بيعها ألا سقي عليه.

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك في المدونة إذا اشترى النخل ثم اشترى الثمار قبل زهوها. ورأى أنه يصير مستلحقا لها بالعقد الأول.

                                                                                                                                                                                        وقيل في هذا الأصل: إن قرب ما بين العقدين، جاز أن يلحق بالأول وإن بعد لم يجز. وقيل: لا يجوز قرب أو بعد. وهو أحسن; لأن البيع الأول قد انعقد وانبرم، وهذا في الحقيقة عقد ثان. وإذا كان الأول صحيحا وغير مفتقر إلى لحوق الثمرة به ولا يتعلق جوازه وصحته بإلحاق الثمرة كان بيع الثمرة قائما بنفسه وهو فاسد لأنه [ ص: 4768 ] بيع قبل بدو صلاحه.

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى الثمرة ثم الأصل، نظرت: فإن كانت الثمار صلحت وقت البيع كانت من البائع والسقي باق عليه، وإن اشترط البائع ألا سقي عليه لم تسقط الجائحة عنه، وهو بمنزلة لو باع الأصول من غير مشتري الثمرة وشرط عليه سقي الثمرة، فالسقي الآن على المشتري بالشرط وانتقال الثمار إلى حلاوة أو نضج بقية البيع الأول وهو من توفيته.

                                                                                                                                                                                        وإن باع الثمار قبل صلاحها على الجداد، ثم باع منه النخل جاز للمشتري أن يسقي الثمار حتى تطيب ومصيبتها منه.

                                                                                                                                                                                        وإن قال المشتري: أنا أجذها حسبما كنت اشتريت عليه، كانت الجائحة من البائع إلا أن يتراخى بالجداد عن الوقت الذي كان يجدها فيه.

                                                                                                                                                                                        وإن باع الثمار قبل صلاحها على البقاء كان فاسدا، ولم ينظر في نقض البيع حتى انتقلت عن حالها الأول ثم أصيبت كانت مصيبتها من البائع ولا يكون انتقالها فوتا; لأنها على ذلك بيعت لتبقى حتى يبدو صلاحها، وسقيها باق على البائع لها; لأن المشتري دخل فيها على عقدين على أن الثمار تبقى لتنضج ثم باع الأصل بعد ذلك، فالسقي في الثمار على البائع دون المشتري؟

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية