فصل [في من استأجر أجيرين فمرض أحدهما]
ومن كان للصحيح نصف الإجارة، واختلف في نصف الإجارة، فقال استأجر رجلين يحفران له بئرا فمرض أحدهما وحفر الآخر، هو للمريض، ويقال له: أرض صاحبك، فإن أبى لم يقض له بشيء. [ ص: 5002 ] ابن القاسم:
وقال هو لصاحب البئر. فمحمل قول سحنون: على أن الإجارة كانت على الذمة، ومحمل قول ابن القاسم على أنها على أعيانها، فإذا كانت على الذمة وحفر الصحيح في أول مرض صاحبه صح قول سحنون أنه في حكم المتطوع; لأن المريض يقول: من الحق فيما بيني وبينك أن تصبر لأحفر معك، فإن حفر بعد أن طال المرض كان له أن يرجع على صاحبه بالأقل من إجارة مثله أو إجارة غيره ممن كان يعمل معه، فإن كانت إجارته أقل لم يكن له غير ذلك، وإن كانت إجارة غيره أقل لجودة صنعة الصحيح قال المريض: قد كان لي أن آتي بما هو دون صنعتك ولم يكن لرب البئر علي مقال إذا كان لا عيب علي فيها، ولا مقال لرب البئر عليهما في ذلك قرب المرض أو طال; لأن عمله مضمون، وإنما عمله فيما بين الأجيرين. ابن القاسم
وإن كانت الإجارة على أعيانهما لم يستحق المريض على صاحب البئر عن حفر صاحبه أجرة، وسواء حفره في أول المرض أو آخره.
ثم يختلف فيما بين صاحب البئر وبين الصحيح هل يستحق قبله أجرة على ذلك العمل؟ وفيما بينه وبين المريض هل ينفسخ العقد أو يستعمله في موضع آخر؟ وفيما بين الأجيرين هل يغرم الصحيح للمريض أجرته؟ فأما فيما بين رب البئر [ ص: 5003 ] والصحيح، فقال لا شيء له عليه. سحنون:
وقال في "كتاب ابن حبيب" في أصبغ فإن كان الذي عمل له لا بد له من الاستئجار عليه كان له أجره؛ فقد كان هذا محتاجا إلى ذلك ومستأجرا عليه، فيكون له على قوله إجارته. من خاط ثوب رجل أو حصد زرعه أو سقى شجره ولم يستأجره، ثم طلب أجره،
وأما فيما بين رب البئر والمريض فإن كان خلف ذلك لا يتعذر أخلف له موضعا يحفر له مثله; لأن المستأجر له لا يتعين، وإن كان يتعذر خلفه انفسخ العقد فيما بينهما، ثم يعود المقال فيما بين الأجيرين: فإن حفر الصحيح بعد طول المرض لم يكن للمريض على صاحبه مقال; لأنه لم يكن عليه الصبر ليصح، وإن كان حفره في أول المرض كان للمريض أن يغرمه المسمى، وللصحيح أن يؤاجره أو يستعمله في مثل ذلك العمل.
وهو بمنزلة من باع سلعة فحال رجل بين البائع وبين دفعها وقبض الثمن حتى غاب المشتري أو افتقر أو أشهد أنه أقاله منها، ثم رجع عن الشهادة فإن للبائع في جميع ذلك أن يرجع بالثمن على من أبطله عليه ويسلم إليه المبيع، وإن [ ص: 5004 ] أحب ترك القيام وبقيت منافعه له.