الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الجمع بين الصلوات]

                                                                                                                                                                                        الجمع يجوز بين المغرب والعشاء إذا كان المطر، أو طين وظلمة وإن لم يكن مطر. وفي العتبية قيل لمالك: وربما تجلى المطر وبقي الطين أيجمعون؟ قال: نعم. وظاهر هذا إجازة الجمع إذا كان الطين، وإن لم تكن ظلمة، وقال أيضا: إذا كان الطين والوحل الكثير أرجو أن له سعة أن يصلي في بيته. وعلى هذا يجوز إذا كان في المسجد أن يجمع إذا كان الوحل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في وقت الجمع، وفي الأذان للثانية، وفي التنفل بين الصلاتين. فأما وقت الجمع فقال في الكتاب: إذا كان مطر، أو طين وظلمة يؤخرون المغرب شيئا قليلا ثم يصلونها ثم يصلون العشاء وينصرف الناس وعليهم إسفار قليل.

                                                                                                                                                                                        وقال عنه محمد بن عبد الحكم: يجمع أول وقت المغرب.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: إذا كان المطر تؤخر المغرب إلى عند غيبوبة الشفق ثم يجمع. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تؤخر المغرب، ثم تصلى، ثم يؤذن للعشاء ويصلون حتى يغيب الشفق أو معه، ثم يصلي، ولا يتنفل بينهما. وأجاز ابن حبيب التنفل بينهما، وقال: الذي رأيت أهل العلم يستحبون: أن يؤذن للمغرب في وقتها ثم تؤخر قليلا ثم يصلونها، فإذا فرغوا [ ص: 445 ] أذن للعشاء في صحن المسجد أذانا ليس بالعالي، فيتنفل من أحب. وقوله في المدونة في العشاء: "يصلونها وعليهم إسفار قليل" أحسن; لأن تقديمها قبل ذلك لم تدع إليه ضرورة، وتأخيرها عن الإسفار تأخير عن وقت الضرورة، ويؤدي إلى الانصراف في الظلمة، وأما في المغرب فهم بالخيار بين أن يصلوها إذا غابت الشمس; لأنه الوقت الأفضل ولم تدع ضرورة إلى تأخيرها عنه، أو يؤخرونها لتجمع مع العشاء.

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول مالك أنها تؤخر عن الوقت الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها فيه، وفي الصحيحين عن رافع بن خديج قال: "كنا ننصرف من الصلاة وإن أحدنا ليرى مواقع نبله" فأما اليوم فالشأن تأخيرها، فمن جمع اليوم في الوقت المعتاد أجزأه من التأخير.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد وقد صلوا المغرب أيضا، فقال ابن القاسم: يجمع معهم. وقال مالك في المختصر: لا يجمع. والأول أحسن; لأن الوجه أن تقدم الصلاة لأجل فضيلة الجماعة على فضيلة الوقت. [ ص: 446 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يجمع بين الظهر والعصر إذا كان المطر; لأن الناس حينئذ ينصرفون إلى أشغالهم في أمر دنياهم بخلاف الليل، فكان سعيهم لصلاتهم أولى. وهذا فيمن أراد أن يقدم العصر إلى الظهر، فأما إذا كان الجمع أن تصلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها فلا بأس; لأن ذلك يجوز من غير مطر. وهو قول عبد الملك في كتاب محمد. وعلى هذا يحمل حديث ابن عباس قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر". وقال في كتاب مسلم: "ولا مطر". أنه أخر الأولى إلى آخر وقتها وعجل الآخرة. [ ص: 447 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية