الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من اكترى دابة ثم زاد عليها صاحبها أو المكتري أو أردف عليها

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من اكترى دابة ليحمل عليها متاعا فحمل صاحبها متاعا مع متاع الأول: كان للأول كراء ذلك المتاع الذي حمل مع متاعه، وإن كان إنما أكراه على مسمى من الوزن لم يكن له في الزيادة كراء.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: إن كان أكراه ليحمله ببدنه أو ليحمله ويحمل له متاعا ففعل، ثم أدخل الكري متاعا بكراء أو بغير كراء- فهو لرب الدابة; لأنه وفاه بشرطه، وقد كان للمكتري أن يمنع رب الدابة من الزيادة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو الحسن اللخمي -رضي الله عنه-: كراء الدابة على ثلاثة أوجه: فإما أن يكتري جملتها ولا يسمي قدر ما يحمل عليها، أو يكتري على حمل قناطير، أو يكتري جملتها ليحمل قناطير مسماة.

                                                                                                                                                                                        فإن اكترى جملتها ولم يسم ما يحمل عليها جاز، فإن كان حمل مثلها أربعة [ ص: 5170 ] قناطير فحمل عليها ثلاثة وحمل عليها ربها قنطارا: فإن أتى به من عنده فحمله عليها والمكتري لم يعلم، أو علم ولم يقدر على منعه- كان المكتري بالخيار بين: أن يفسخ عن نفسه ما ينوبه، أو يأخذ فيه كراء المثل. وإن علم ولم يمنعه كانت إقالة في ذلك القنطار، وكذلك إن كان ذلك القنطار بكراء ولم يكتر على أن يحمل على غير هذه الدابة.

                                                                                                                                                                                        فإن أكراه ليحمله عليها فحمل والمكتري لم يعلم أو علم ولم يقدر على منعه - كان بالخيار بين: أن يفسخ عن نفسه ما ينوب ذلك القنطار، أو يأخذ فيه كراء المثل أو المسمى الذي أكراه به، وإن علم بالكراء فرضي بحمله كان له الذي أكرى به، ولا مقال له فيما سوى ذلك.

                                                                                                                                                                                        وإن حمل عليها المكتري أربعة قناطير وزاد المكتري نصف قنطار، فإن كانت مضرة ذلك الزائد على رب الدابة وحده، وكانت تسير بسير الدواب، [ ص: 5171 ] ولا يخشى أن تقف بحملها في الطريق لم يكن للمكتري في ذلك مقال، وإن كان فيه مضرة على المكتري; لأنها أبطأت عن سير الدواب، أو كان يخشى أن تقف بحملها كان للمكتري وللمكري في ذلك مقال: فمقال المكتري ما كان عليه متاعه من الغرر إن وقفت في قفر فهو كالعيب حدث في المكترى، ومقال المكري تعب دابته، فيقسم كراء ذلك الزائد بينهما على قدر شركتهما فيه، فإن حمله بغير رضاه كان بالخيار بين ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        بين أن يحط عن نفسه ما ينوبه من المسمى، أو يأخذ قيمة ذلك العيب، أو ما أكراه به فيقال: بكم تكرى هذه الدابة لحمل أربعة قناطير بانفرادها؟ فإن قيل: بعشرة، قيل: فبكم تكرى على أن معها نصف قنطار؟ فإن قيل: تسعة، حط عشر المسمى إلا أن تكون القيمة أكثر من المسمى فيحاسبه بدينار.

                                                                                                                                                                                        وإن أحب أن يأخذ ما ينوبه من الكراء الثاني [ ص: 5172 ] قيل: بكم يكرى هذا النصف قنطار على دابة عليها أربعة قناطير؟ فإن قيل: بدينارين; لأن الدابة يخشى عليها منه فلا تكرى إلا بأكثر من غيره، كان المسمى الذي أكرى به بينهما نصفين; لأن قيمته ديناران وللأول فيه ما قيمته دينار.

                                                                                                                                                                                        وإن اكترى جملتها ليحمل عليها ثلاثة قناطير، وحمل مثلها أربعة، فحمل عليها ثلاثة وحمل ربها قنطارا كانا شريكين في ذلك القنطار; لأن صاحب الدابة يحط عما يكري به على أربعة قناطير لمكان راحتها، والمكتري يزيد على ما يكري به على الثلاثة، لو كان عليها أربع ليكون مستظهرا لحمل متاعه، وقد تقدم ذكر ذلك في "كتاب الجعل" في مسألة الراعي يزيد على ما شورط على رعيه. [ ص: 5173 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية