الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا أردف المكتري على الدابة]

                                                                                                                                                                                        وإن كان المكتري هو الذي أردف معه رديفا، فإنه لا تخلو الدابة من أربعة أوجه: إما أن تسلم، أو يحدث بها عيب يسير، أو كثير، أو تهلك.

                                                                                                                                                                                        فإن سلمت كان لصاحبها المسمى وكراء المثل في الرديف.

                                                                                                                                                                                        وإن حدث عيب يسير كان له المسمى، وفي الرديف الأكثر من كراء المثل أو قيمة العيب إذا كان العيب لا يفيت الركوب; لأن المسمى استحق عن الأول، ولو لم يردف لم يحدث العيب، فزيادة الرديف سبب العيب وفيه وقع التعدي.

                                                                                                                                                                                        وإن كان العيب كثيرا كان الخيار بين أن يأخذ قيمة الرقبة، ولا شيء له من الكراء أو المسمى، والأكثر من كراء الرديف، أو قيمة العيب.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن هلكت هو بالخيار، فإن أحب قيمة الرقبة أو المسمى [ ص: 5174 ] والأكثر من كراء الرديف أو من قيمة العيب الذي هلكت عنه، إذا كان العيب عن تمادي الثقل فأنهكها، وإن كان عثارا عرض لها لشدة الثقل في الآخر- كان له المسمى وكراء المثل عن الأيام الفارطة، وقيمتها لآخر يوم.

                                                                                                                                                                                        وإذا وجبت القيمة وكان المكتري عديما والرديف موسرا، فإن كان عالما أنها في يد الأول بكراء ولا يخفى أن ركوبه عليها مع الأول يخشى عليها منه- ضمن جميع قيمتها، وإن لم يعلم أنها بكراء كان عليه نصف قيمتها; لأنه يقول: جميعنا أهلكها ولم أتعمد عداء.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان الغالب السلامة فقدر أن هلكت من ركوبهما هل يضمن; لأن هلاكها من باب الخطأ بمنزلة من اشترى عبدا فقتله خطأ، ثم استحق فقد اختلف في ضمانه؟

                                                                                                                                                                                        والجواب: إذا اكترى للحمل فزاد على ما تقدم في الرديف ينظر هل سلمت أو حدث عيب يسير أو كثير أو هلكت؟ وصفة قيمة الزيادة أن [ ص: 5175 ] يقال: بكم يكرى هذا الزائد على هذه الدابة، وهي مثقلة بذلك الحمل المكترى عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن حمل مثل وزن الأول وهو أضر، مثل: أن تكرى على أربعة قناطير كتان، فيحمل عليها أربعة رصاص كان لقيمة ذلك طريقان:

                                                                                                                                                                                        أحدهما أن يقال: بكم تكرى على أربعة قناطير كتان؟ فإن قيل: بدينارين وعلى أربعة الرصاص ثلاثة، أخذ المسمى ودينارا، فإن كان المسمى ثلاثة أخذ أربعة.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يقال: بكم تكرى على أربعة كتان؟ فإن قيل: بثلاث دنانير. قيل: بكم تكرى من الرصاص بثلاثة دنانير؟ فإن قيل: ثلاثة قناطير. قيل له: هذا الوزن لحقك في العقد الأول، ثم يكون عليه كراء القنطار الباقي على أنه على دابة مثقلة بثلاثة [ ص: 5176 ] رصاص، فما قيل إنه يكري به أخذه مع المسمى.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الحاج يكتري على خمس مائة رطل، فيكون في زاملته أكثر مما تعطب فيه قال: لم يزل الحاج تكون له الزيادات من السفر والأطعمة لا ينظر في ذلك، ولا يعرف المكري ما حمل، ولا يكون عليهم في ذلك ضمان إذا كان المكري هو الذي حمله ورآه. فجاوب إذا كان هو الذي حمله، ولم يجاوب إذا لم يحمله.

                                                                                                                                                                                        والأمر فيه مشكل، فيصح أن يقال: يضمن إذا جاوز المعتاد من الزيادة، وأن لا يضمن; لأن المكري فرط إذ لم يختبر مع إمكان أن يكون زاد مثل ذلك، وأما إن زاد المعتاد فلا ضمان عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن اكترى دابة يحمل عليها عشرة أقفزة، فزاد قفيزا فعطبت: لم يضمن إذا لم تعطب منه.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا كان حملها في البلد لم يخرج عنه فلا يضمن، سواء هلكت في حال الحمل أو بعد انقضائه، إذا لم تكن الزيادة سبب هلاكها، وإن شك هل [ ص: 5177 ] هلكت من ذلك أم لا؟ وكان هلاكها في حال الحمل أو بفور انقضائه ضمن على قول ابن مسلمة، بخلاف التعدي على العبد; لأن العبد يذكر ما نزل به من الضمان فسكوته دليل على السلامة، والدابة ينزل بها ما يهلكها فلا يعلم حتى تهلك. وقد يقال: لا شيء عليه حتى يعلم أنها هلكت منه.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يغرم نصف قيمتها، ولا يلزم الجميع؛ لإمكان سلامتها، ولا يسقط الجميع؛ لإمكان أن يكون هلاكها من سبب التعدي، وإن علم أن هلاكها من التعدي وكان حمل الحادي عشر بعد انقضاء العشرة- كان له المسمى في العشرة وقيمتها، وإن كان قسم الحادي عشر على العشرة، بعضه في كل نقلة- كان لصاحبها أن يغرمه قيمتها في أول نقله ولا كراء له، أو يأخذ المسمى وكراء الزائد، ولا قيمة له.

                                                                                                                                                                                        ولو قيل: إن لصاحبها أن يأخذ قيمتها من الوقت الذي صار يخشى التمادي عليها، وله فيما تقدم من النقلات ما ينوبه من المسمى وكراء الزائد لكان وجها. [ ص: 5178 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية