الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في المقارض يستودع غيره من مال القراض]

                                                                                                                                                                                        ولا يقارض العامل غيره كما لا يبضع، فإن فعل كان متعديا ويضمن الخسارة والضياع، وإن ربح الثاني واختلف الجزءان فكان الأول النصف، والثاني الثلث، كان السدس الفاضل لرب المال ولا شيء للعامل; لأنه إنما يستحق الجزء بالعمل وهذا لم يستحق الجزء بالعمل وهذا لم يعمل، وإن كان للثاني الثلثان كان في المسألة قولان، قول ابن القاسم: إن لرب المال نصف الربح ويتبع العامل الآخر الأول بالسدس.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: للآخر الثلثان ويتبع رب المال العامل الأول بالسدس، وكذلك إذا ذهب بعض المال عند الأول أخذ ثمانين دينارا فذهب منها أربعون ثم دفع الباقي لمن عمل فيه فصارت مائة، فيبدأ رب المال عند ابن القاسم بتسعين، رأس ماله ونصيبه من الربح.

                                                                                                                                                                                        وخالف غيره في الوجهين جميعا وجعل رأس المال الأربعين وثلثي الربح. فوجه الأول أن العامل عمل على أن المال على ملك غيره، وربح مال القراض كالولادة تزكى عن ملك رب المال، فإن استحق المال كان بمنزلة لو لم يسلمه إلى يد غيره.

                                                                                                                                                                                        ووجه الثاني أن يقول: إنما [ ص: 5266 ] يلزم جبر الخسارة وأن يكون الربح على المسمى الأول من عاقد رب المال عليه، ولا يلزمه مثل ذلك الثاني، والفرق بينهما أن الأول لو تجر فيه لنفسه لكان الربح بينهما على المسمى، ولو غصبه الثاني من الأول وهو عالم أنه قراض فتجر فيه لنفسه لكان ربحه كله له.

                                                                                                                                                                                        ولو أخذ حائطا مساقاة على النصف ثم دفعه إلى غيره على الثلث كان السدس الفاضل للمساقى الأول. وإن أخذه الثاني على أن الثلثين له لم يجز، فإن فات بالعمل كان لصاحب المال النصف، والمساقاة في هذين الوجهين بخلاف القراض; لأن العمل بالقراض على عين المقارض والمساقاة في الذمة، فجاز أن يعطيه لغيره ويكون له الربح، وفارق القراض أيضا إذا دفع الحائط على أن الثلثين للثاني لأن الثمرة لرب النخل وإنما باع من المساقى نصفها بعمله، فإذا باع الثاني منها] ما لم يبعه منه ربها، رد ربها بيعه فيها; لأن الثمار كالسلع لرب النخل، وإنما باع من المساقاة بخلاف العين الدنانير والدراهم.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف بماذا يرجع العامل الآخر؟ فظاهر "المدونة" أنه يرجع على من دفعه إليه بسدس الثمرة، وهذا لما في المساقاة من التوسعة من الغرر بخلاف البيع فأشبه كونها صداقا أو كتابة، وقياس البياعات أن يرجع بربع الإجارة، [ ص: 5267 ] بمنزلة من اشترى ثمرة بعمل فاستحق بعضها، فإنه يرجع بقيمة ما ينوبها وهو ربع الإجارة، فإن كان جميع الثمرة ستة أوسق، كان للعامل أربعة واستحق عليه منها وسق: وهو ربع ما في يديه فيقابله ربع المنافع.

                                                                                                                                                                                        ولو كانت المساقاة على عين العامل وأخذه على النصف ودفعه للثاني على الثلث، كان لصاحب الحائط الثلثان ولا شيء للعامل كالقراض.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المقارض: ليس له أن يودع القراض، ولا أن يرسله مع غيره، ولا يبيع بالدين. [ ص: 5268 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية