الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في ما لا يجوز من القراض

                                                                                                                                                                                        وإذا أخذ مائتي دينار ليعمل في كل مائة بانفرادها ويكون ربح أحدهما للعامل والآخر لصاحب المال، لم يجز، فإن نزل كان أجيرا فيها والربح لصاحب المال، ويجري في التي عمل فيها لنفسه قول آخر: لا أجر له إن خسر، وإن ربح كان له الأقل مما ربح فيها أو إجارة المثل، وهو أحسن; لأن صاحب المال لم يستأجره عليها بشيء، وقد تقدم ذلك في "كتاب الشركة" فإن عمل في المائتين على أن ربح المائة بينهما والأخرى لأحدهما لم يجز، وكان الجواب في التي ينفرد أحدهما بربحها على ما تقدم: فإن شرطا ربحها لصاحب المال، كان للعامل أجره وإن لم يربح فيها، وإن شرطا ربحها للعامل كانت له إجارة المثل ما لم يجاوز ربحها، وإن خسر لم يكن له شيء، وهذا إذا جعل له ربحها وألا شيء عليه من خسارتها، وإن كان عليه خسارتها كان سلفا فاسدا فله الربح وعليه الخسارة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في التي شرطا ربحها بينهما على ثلاثة أقوال: هل يكون فيها أجيرا، أو على قراض المثل، أو يكون للعامل الأقل من المسمى، أو قراض المثل إن شرطا ربح المنفردة لرب المال، أو يكون له الأكثر إن شرطا ربحها للعامل؟ [ ص: 5272 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع في "شرح ابن مزين": إن شرط أحدهما زيادة فعمل العامل وربح فإن مشترط الزيادة بالخيار إن شاء أبطلها وكانا على قراضهما الأول، فإن أبى إبطالها، كان للعامل إجارة المثل، والربح لصاحب المال، والضمان عليه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت واحدة قراضا والأخرى سلفا، فقيل: يكون في التي على القراض أجيرا. وقيل: قراض المثل. وقيل: الأكثر. وعلى قول سحنون يكون له الأكثر ما لم يقبض السلف، ويتم له الربى بينهما.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول ابن نافع يكون في القراض على المسمى إن أسقط السلف وإلا كان أجيرا، وأما السلف فربحه للعامل إلا أن يشترط عليه ألا يبين به وأن يعمل به في جملة القراض، فيختلف هل يكون الربح للعامل والضمان عليه، أو لرب المال والضمان منه لأجل التحجير؟ وإن دفع إليه مائتين على جزء متفق، كل واحدة على النصف، أو مختلف، إحداهما على النصف، والأخرى على الثلث، فإن كان على تخليطهما جاز، وإن كان على أن يعمل في كل واحدة بانفرادها والجزء مختلف لم يجز.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الجزء متفقا، فأجازه محمد ومنعه ابن حبيب قال: فإن نزل كان أجيرا. والقياس أن يكون الجواب فيهما واحدا استوى الجزء أو [ ص: 5273 ] اختلف; لأن المنع خيفة أن يخسر في إحداهما ولا يجبر من الأخرى، فإن الحكم فيما دفع في مرة أن يجبر خسارته ولا يكون الربح إلا بعد جبر رأس المال.

                                                                                                                                                                                        وهذا التعليل يستوي فيه استواء الجزء واختلافه، ومحمله إذا قال: هذه على النصف، وهذه على الثلث على ألا خلط حتى يبيح له خلطهما. وإن أخذ مائة على النصف فلم يشغلها حتى أخذ مائة على النصف أو الثلث جاز، وله أن يخلطهما إلا أن يشترط عليه ألا يخلطهما، فيعود الجواب إلى ما تقدم; لأنه كان قادرا على أن يأخذ منه الأول ما لم يخلطه فصار في المالين بمنزلة من أخذهما معا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية