الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا أخذ مائة على النصف وأشغل الأول]

                                                                                                                                                                                        وإن أشغل الأول جاز إذا كان الثاني على جزء موافق للأول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان مختلفا فأجازه ابن القاسم في المدونة، وقال مالك في كتاب محمد: لا يعجبني ذلك. والأول أبين، ولا يجوز أن يأخذ الثاني على أن يخلطه بالأول على جزء موافق ولا مخالف؛ لأنه على وجهين، فإن كان الثاني على أن الشركة في الأول بحسب رأس ماله وفيه الآن خسارة أو ربح، كانا قد دخلا على أن يجبر الخسارة من الربح الثاني أو يكون للثاني بعض ربح [ ص: 5274 ] الأول، وكل ذلك فاسد.

                                                                                                                                                                                        وإن أخذ الثاني على أن الشركة تكون على قيمة الأول، دخله مثل ذلك; لأن القيم وقت البيع تتغير عن وقت التقويم وتزيد وتنقص، وإن أعطاه الثاني فلم يشترط عليه خلطه كان محموله على الجواز وعلى ألا يخلط حتى يشترط عليه خلطه، وإن نض الأول وفيه خسارة أو ربح لم يجز عند ابن القاسم أن يأخذ منه قراضا آخر بحال: بجزء موافق أو مخالف كان محمله في الثاني على الخلط أو على الانفراد.

                                                                                                                                                                                        وأجازه غيره بثلاثة شروط: إذا كان في الأول ربح والجزء موافق على ألا يخلط. ووافق ابن القاسم إذا كان في الأول خسارة، وإذا كان فيه ربح والجزء مختلف أو متفق بشرط الخلط. وهو أحسن وليس الخسارة كالربح; لأن الشأن عند الخسارة كراهية العامل في التمادي، والقصد من صاحب المال أن يعطيه الثاني ليتمادى بالأول؛ رجاء أن يجبر الخسارة، والشأن إذا كان فيه الربح أن العامل يرغب في التمادي وإن لم يدفع إليه شيئا.

                                                                                                                                                                                        ولو علم من العامل أن غرضه رد المال ليستعجل نصيبه من الربح لمنع، وينبغي إذا علم أن العامل على رغبته في التمادي بالأول أن يجوز الثاني وإن على جزء مخالف للأول، وإن عملا على الوجه الفاسد بشرط الخلط فض الربح على قدر المالين يوم الخلط فما ناب الأول جبر به الخسارة، وما ناب الثاني كان فيه على قراض المثل ما لم يجاوز المسمى فلا يزاد; لأنه رضي بالمسمى على أن يجبر خسارة الأول من جميع الربح، فإن أسقط ذلك عنه لم [ ص: 5275 ] يزد على المسمى.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب إذا كان الأول في عروض وخلطه بالثاني فض ما نض الآن على قدر ما يقع به الأول ووزن في الثاني، فيكون ما ناب الأول على الجبر في الخسارة وفي الربح على المسمى، وما ناب الثاني على الأقل من المسمى أو قراض المثل إن كان في الأول ذلك اليوم خسارة، وإن لم يدر ما بيع به الأول كان الفض على قيمة الأول يوم خلطه الثاني، وهذه ضرورة لا يقدر على غير ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية