فصل [فيما إذا تبين أنه حكم بخلاف النص أو الإجماع]
وإذا نقض الحكم، وهو وغيره من القضاة في تلك النازلة في نقض الحكم سواء. حكم القاضي في نازلة باجتهاده، ثم تبين أنها مسألة نص بالقرآن أو السنة، أو أنها مسألة إجماع، وأنه حكم بخلاف ذلك
واختلف على أربعة أقوال: فقال إذا أراد ذلك القاضي أن ينتقل عن ذلك الاجتهاد إلى اجتهاد آخر، مطرف -في كتاب ابن حبيب-: له نقضه. وهو ظاهر قول وابن الماجشون في المدونة. مالك
وقال ابن عبد الحكم: لا [ ص: 5358 ] ينقضه كان القضاء بمال أو غيره. وقال -في كتاب محمد-: إن كان القضاء بمال نقضه، وإن كان بإثبات نكاح أو فسخه لم ينقضه. وعلى هذا لا ينقضه إذا كان بإنفاذ حكم عتق أو ردة أو بحد أو قتل أثبته أو أبطله. أشهب
وقيل: أما ما كان من باب المتروكات فليس بحكم بخلاف غيره، من أن يحكم للإنسان بمال أو ما أشبه ذلك، فإن كان له أن ينقضه، ورأى أن الأول ليس بحكم; لأنه إنما وجدهما على شيء فتركهما عليه. حكم بإثبات نكاح أو إثبات عتق، ثم تبين له غير ذلك،
والقول الأول أحسن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخرجه "إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإن اجتهد فأخطأ كان له أجر" البخاري ومسلم.
فأطلق عليه مع وجود الاجتهاد الخطأ، وإذا كان ذلك لم يجز البقاء عليه. وهذا إذا تبين أن الاجتهاد الأول وهم، وأنه خارج عن الأصل الذي كان ظنه منه وقاسه عليه. [ ص: 5359 ] وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية وقال لأميرها: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، وأنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟".
وأما إذا كان للأول وجه، والذي تبين له الآن أشبه، لم ينقضه. وقال إذا كان ذلك رأيه يوم حكم لم ينقضه، وإن لم يكن ذلك رأيه وإنما وهم أو نسي ورأيه خلاف نقضه. وهذا راجع إلى قول سحنون: ابن عبد الحكم، وقال -في كتاب ابن حبيب-: إذا شهد الحاكم على فسخ حكمه الأول، ولم يذكر أنه رجع عن الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمرا فسخه به، قال: فلا أراه فسخا يفسخ به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه، حتى يخلص ما يوجب فسخ الأول، أو يرجع إلى ما هو أحسن، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور. مطرف
وقال إشهادهم على الفسخ يكفيه، إذا كان مأمونا ولم يقل إلا أني رجعت عن الأول، ثم هما على رأس أمرهما، ولو قال مع الفسخ: وقضيت للآخر، لم يجز قضاؤه ومضى الفسخ; لأنه لا يقضي حتى يضرب المقضي عليه الآجال والحجج. [ ص: 5360 ] ابن الماجشون: