الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشاهد الواحد يشهد لصغير بمال]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهد شاهد واحد لصغير بمال. فقال محمد: يحلف المشهود عليه، ويترك حتى يحتلم الصبي فيحلف مع شاهده ويستحق، قال: ويكتب له القاضي قضيته بما يصح عنده، لينفذه له من بعده من القضاة، مات شاهده بعد ذلك أو فسق، فإن نكل الغريم غرم مكانه، ولم يحلف الصغير متى كبر. وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إن حلف المطلوب أخر حتى يبلغ الصبي، فإن نكل أخذ منه الحق إلى بلوغ الصبي . وهذا أصوب؛ لأن المطلوب يقول: إنما أحلف يمينا واحدة تبرئني، وإذا كانت [ ص: 5505 ] يميني الآن لا تبرئني لم أحلف، ويوقف ذلك الحق، فإن نكل الصبي بعد بلوغه، حلف المطلوب وبرئ. واختلف إذا كان له أب، فصار له مال من أمه، فأراد الأب أن يحلف، لأجل نفقته على الابن. فقال مالك -في كتاب محمد-: لا أظن ذلك له. يريد لأن اليمين للصبي، فقد نزع عنها ولا يحلف. وفي كتاب المدنيين: ذلك للأب.

                                                                                                                                                                                        وإن شهد شاهد لسفيه، حلف معه الآن واستحق؛ لأنه مخاطب بالشرع، وهو كالرشيد في اليمين. واختلف إذا نكل فقال ابن القاسم -في كتاب ابن سحنون-: يحلف المطلوب ويبرأ ولا يحلف السفيه إن رشد. قال: وكذلك البكر المولى عليها، تنكل عن اليمين مع شاهدها، فلا يمين لها إذا رضي حالها. وقال ابن كنانة: لهما أن يرجعا إلى اليمين إذا رضي حالهما، وإن كان قد حلف المطلوب .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إن حلف المطلوب ثم رشد السفيه، حلف وقضي له بالمال، وإن نكل المطلوب أولا أخذ منه المال، فإن حلف السفيه بعد رشده مضى له، وإن نكل رد المال إلى المطلوب. يريد بعد يمينه، ولم يجعل ما تقدم له من نكول المدعى عليه، يسقط قيامه إذا رشد السفيه. وهو أحسن ؛ لأنه يقول إنما أحلف في موضع تسقط عني الدعوى. [ ص: 5506 ]

                                                                                                                                                                                        وأما إذا كان الطالب باقيا على حاله، فلا تعجل اليمين في موضع لا تنفعني. واختلف إذا شهد شاهد لصبي، وحلف المشهود عليه وأخر الأمر إلى أن يبلغ الصبي، هل يوقف المدعى فيه إذا كان معينا؟ عبدا أو دارا أو كان عينا، والمدعى عليه يخشى فقره أو لا يوقف؟ ويمكن من المدعى فيه حتى يرشد الصبي، وكذلك إذا كان الشاهد لسفيه فنكل على قول ابن كنانة، يختلف هل يوقف له ذلك؟

                                                                                                                                                                                        وإن ثبت على الميت دين بشاهدين، وشهد شاهد بالقضاء والوارث صغير، حلف الطالب وأخذ ذلك، فإن بلغ الصغير حلف واسترجع المال، وإن نكل الطالب لم يكن له شيء، وهذا على القول بالوقف، إذا كان الشاهد للصبي بدين، أن لا يوقف له من ذمة الغريم. وعلى القول بالوقف لا يقضى به للطلب ها هنا، وتوقف على يدي عدل، وإن ثبت للميت دين بشاهدين، وثبت للمطلوب شاهد بالقضاء، حلف المطلوب معه وبرئ، فإن نكل أغرم إذا كان الوارث صغيرا، ممن لا يدعى على مثله العلم، فإن كان كبيرا وكان ممن يظن به العلم لمخالطته للميت كالولد وما أشبهه حلف . [ ص: 5507 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل يوقف المال من ذمة المطلوب؟ وقال ابن سحنون -فيمن شهد لميت بدين ووارثه أخرس، لا يفهم ولا يفهم عنه-: يحلف المدعى عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم. قال: وكذلك المعتوه، يحلف المدعى عليه، فإن نكل غرم، وإن حلف ثم عقل المعتوه حلف واستحق. وإن شهد شاهد لغائب بدين ، لم يطلب الغريم من غير وكالة، وإن شهد أن هذا غصب له شيئا في غيبته ، كان للحاكم أن يحلف المشهود عليه، فإن نكل وقف الشيء المغصوب حتى يغرم، وفي كتاب القذف ذكر من قذف غائبا، وهل يقام له به من غير وكالة؟

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب فيمن عليه دين- وشهد له شاهد بدين ونكل المشهود له: فإن لم يكن ضرب على يديه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا مع الشاهد ويستحقوا، ونكوله كإقراره، وإن ضرب على يديه كان لهم أن يحلفوا مع الشاهد ويستحقوا، ويحلف كل واحد منهم، أن الذي شهد به شاهده حق ، فيحلف على جميع الحق، وليس على ما ينوبه، ومن نكل لم يكن له أن يحاص من حلف. قال مطرف: ومن رجع من الغرماء [ ص: 5508 ] بعد نكوله لم يقبل. وقال ابن الماجشون: يقبل، وليس كنكوله عن حق نفسه ما لم يحكم، فلا يكون له أن يحلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن حلف فقال ابن الماجشون: يكون له بقدر نصيبه . وقال محمد بن عبد الحكم: له جميع حقه من ذلك الدين. وقال أصبغ: إن شهد شاهد أنه قضى دينا عليه ثم نكل، لم يكن لغرمائه ولا لورثته أن يحلفوا مع الشاهد، بخلاف أن يشهد بحق لغريم، قال: لأنهم ها هنا يحلفون لقد دفع، وهذا من الغيب فلا يحل، إلا فيما جاء من القسامة. يريد إذا كان عندهم علم أن للغريم الدين الذي شهد به الشاهد، ولا علم عندهم مما شهد به في القضاء، وإن كان عندهم علم حلفوا، وإن كان لا علم عندهم بما شهد به الشاهد، من الدين لم يحلفوا.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك في هذا الأصل: فأجاز مرة أن يحلف مع الشاهد، وإن لم يكن عند الحالف علم، كالشهادة للصغير إذا كبر . وقال أيضا: لا يحلف إلا أن يستيقن صحة الشهادة. [ ص: 5509 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية