الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب جامع

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -فيمن ادعى على رجل، أنه اشترى منه سلعة فجحده، وقال احلف أن لا حق لك قبلي-: فقال مالك: يحلف أنه لم يشتر منه سلعة كذا؛ لأن هذا يريد أن يورك . وقيل: ذلك له. والأول أحسن لأن في تمكينه من ذلك نقل الأحكام عن مواضعها؛ لأنه إنما يبدأ باليمين إذا أنكر الشراء، وإن أقر وادعى القضاء بدأ البائع، وكذلك إن قال استقرضت مني، فإنه يحلف أنه لم يستقرض منه، إلا أن تطول المدة مما أن اعترف المطلوب بالشراء أو القرض، صدق في القضاء فيمكن من اليمين أن لا حق لك، إلا أن يذكر الطالب وجها، إن اعترف بالأصل لم يصدق الآخر في القضاء.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -في متفاوضين ادعى أحدهما على رجل دينا من شركتهما، فجحد المطلوب وقال احلف على حصتك-: فقال يحلف على حصته وحصة صاحبه؛ لأنه في حصة صاحبه وكيل مفوض إليه .

                                                                                                                                                                                        وهذا إنما يفيد إذا كان يرى أنه يحلف يمينين؛ لأن الحق لرجلين، فهذا الطالب يطلب لنفسه وبالوكالة لغيره، وإن كانت الدعوى نصف دينار، حلف في الجامع يمينين، فإن نكل حلفا واستحقا، وإن حلف أحدهما كان له نصيبه منه، ولا شركة فيه لصاحبه؛ لأنه أخذه بيمينه وذلك كالمقاسمة. وإن حلف لأحدهما سقط نصيبه، واستحق الآخر بيمينه. وإن كانت الدعوى في أقل من نصف دينار، حلف لهما مكانه، وإن ادعى عليهما ربع دينار، كان له أن يحلف [ ص: 5530 ] كل واحد منهما في الجامع؛ لأنه يقول لي قبلك ثمن دينار وثمن بالحمالة، فإن نكلا كان بالخيار بين أن يحلف مكانه يمينين ويأخذ من كل واحد منهما نصف حقه، أو يحلف يمينا واحدة في الجامع، ويستحق من أحدهما إن غاب الآخر أو أعدم.

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى ورثة رجل، أن لأبيهما قبل رجل ربع دينار، كان بالخيار بين أن يحلف في الجامع يمينا واحدة، أن لا شيء للميت عنده، أو يحلف مكانه لكل واحد منهم يمينا، أنه لا يستحق قبله من سبب أبيه من ذلك شيئا، وإن حلف لأحدهما

                                                                                                                                                                                        ورد اليمين على الآخر فحلف ، استحق من حلف نصيبه، وإن نكل لجميعهم كان كل واحد بالخيار، بين أن يحلف أن لأبيه عنده تلك الجملة، أو أنه يستحق قبله في نصيبه كذا وكذا.

                                                                                                                                                                                        ومن وكل على قبض دين فأنكره المطلوب، لم يحلفه الوكيل إلا أن يوكله على تحليفه، أو يكون وكيلا مفوضا إليه. قال ابن القاسم -في العتبية-: إن أقر المطلوب وادعى القضاء أغرم الآن. وقيل: يؤخر لأن له رد اليمين، فلا يستحق عليه شيئا إلا بعد يمين الطالب ، وهذا هو الأصل. ورأي ابن [ ص: 5531 ] القاسم حمل عليه اللدد؛ لأن كثيرا ممن يفعل ذلك لوذانا ، فإذا اجتمع مع الموكل لم يتماد على ذلك، وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وقال -في كتاب محمد فيمن أقر لرجل بدين، وأشهد على نفسه به ثم أنكر، فطلب يمين المقر له-: لم يكن ذلك له. وقال محمد: إن أنكر وقال نسيت، أو غلطت فلا يمين عليه، وإن قال أشهدت قبل قبض ذلك، أو تركته عندك وديعة، أو رددته إليك فعليه اليمين. يريد إذا أشهد على نفسه بالثمن ويقبض السلعة لم يحلفه، وإن شهد بالثمن ولم يذكر قبض السلعة، حلفه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحلفه. [ ص: 5532 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية