الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صفة الأيمان ومواضعها

                                                                                                                                                                                        للأيمان صفة يحلف بها ، ومواضع يحلف فيها، ووقت يختص ببعضها، فالأيمان في الأموال وما أشبهها بالله الذي لا إله إلا هو. واختلف إذا قال: والله. ولم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو، فالذي يقتضيه قول مالك أنه يمين جائزة. وقال أشهب في كتاب محمد: لا تجزيه اليمين في الوجهين جميعا . وأرى أنها تجزيه؛ لأنه لا خلاف فيمن حلف وقال: والله. ولم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو إن فعلت كذا، ففعله أنه حانث، وأنها يمين منعقدة تلزم بها الكفارة. واختلف في اللعان، فقال مالك في المدونة: يحلف بالله . وقال في كتاب محمد: أشهد بعلم الله . يريد أنه جائز؛ لا أنه لا يجوز غيره. وقال محمد: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، في اللعان والقسامة . وقاله مالك في القسامة مرة . وقال في كتاب محمد: يحلف بالله الذي أحيا وأمات . وقال ابن الماجشون: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن [ ص: 5533 ] الرحيم . وكل هذا استحسان ليس بقياس أن لا يجزي غيره.

                                                                                                                                                                                        واختلف في مواضع اليمين، فقال مالك وابن القاسم: أنه يحلف في مكانه في أقل من ربع دينار، وفي ربع دينار فأكثر في المسجد الجامع حيث يعظم منه، فإن كانت اليمين في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فعند المنبر. وقال محمد: على المنبر. وقال مالك: ويحلف بمكة عند الركن. وقال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب: يستحلف الناس في أقل من ربع دينار في سائر المساجد، ولا يحلف عند منبر من المنابر، إلا عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار فصاعدا. وفي كتاب محمد: تحلف المرأة في بيتها في أقل من ربع دينار، وفي ربع دينار فأكثر في الجامع، فإن كانت ممن تتصرف أحلفت نهارا، وإن كانت ممن لا تتصرف، أحلفت ليلا . وأجاز سحنون في كتاب ابنه في امرأتين ادعي عليهما في دور وأرض، وليستا ممن يخرج أن يحلفا في أقرب المساجد إليهما . وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إذا كانت المرأة من أهل الشرف والأقدار جاز أن يبعث الحاكم إليها من يحلفها؛ لأن في ذلك صيانة لها، ولا مقال للخصم فيه؛ لأن الذي يجب له إحلافها دون تبديتها . [ ص: 5534 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يقام الحالف؟ وهل يستقبل به القبلة؟ فقال ابن القاسم في المدونة: ليس عليه أن يستقبل به القبلة . وقال مالك في كتاب ابن سحنون: يحلف جالسا. وقال في كتاب محمد: يحلف قائما . وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يحلف قائما ويستقبل به القبلة، إلا أن يكون أقل من ربع دينار فيحلف في مكانه جالسا، والمرأة في بيتها جالسة . وقال مالك في كتاب آخر: ليس على من حلف في غير المسجد أن يقوم. يريد أنه يقوم إذا كانت اليمين في الجامع.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يستقبل به القبلة في قليل ذلك وكثيره ولا يقام، وإن كانت اليمين في الجامع. وقد يستحسن ذلك في القليل . ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللعان إلا في الخامسة، أقام المرأة في موضع الغضب . وقيل: إنه أقام الرجل في الخامسة، وليس في الصحيح إقامة الرجل، ومن حلف في جميع ذلك جالسا أجزأه.

                                                                                                                                                                                        ولا يحلف في الأيمان إلى غير موضعه إلا في القسامة. قال مالك: يحلف إلى مكة والمدينة وبيت المقدس. وأما غير هذا فيستحلفون في مواضعهم، إلا أن [ ص: 5535 ] يكون قريبا من المصر العشرة الأميال ونحوها ، وقال أبو مصعب: يحلف إلى الأمصار من كان على ثلاثة أميال وهو أحسن وأحوط، ولا يمكن من كان في البوادي من الدماء فتضيع. [ ص: 5536 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية