الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اختلاف الغاصب والمغصوب منه

                                                                                                                                                                                        الاختلاف في هذا في أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: في القدر، يقول: غصبني مائة، ويقول الآخر: خمسين.

                                                                                                                                                                                        والثاني: في الجنس، يقول: غصبني هذا العبد، ويقول الغاصب: هذا الثوب.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يتفقا في الجنس أنه عبد أو أنه ثوب، فيقول هذا: جيد والآخر: رديء، أو يأتي الغاصب بعبد فيقول: هذا الذي غصبتك، ويقول الآخر: عبدي أفضل.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يتفقا أنه العبد أو الثوب المغصوب ويأتي به معيبا أو خلقا، ويقول: هكذا غصبته، ويقول الآخر: بل كان سليما أو جديدا. فاختلف إذا قال: الغاصب خمسين، وقال المغصوب منه: مائة، فقال مالك: القول قول الغاصب .

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية فيمن انتهب صرة والناس ينظرون فطرحها مطرحا لم توجد وادعى ربها عدة، وكذبه الآخر أو أعجزه بها ولم يطرحها، ثم يختلفان في العدد: فالقول قول المنتهب، وقال العتبي ومطرف وابن كنانة وأشهب يقولون في هذا وشبهه: القول قول المنتهب منه .

                                                                                                                                                                                        فجعلوا القول قول المنتهب منه بعد غيبة الغاصب عليه إذا أعجزه بها، [ ص: 5806 ] وادعى معرفة ما وجد فيها؛ لأن من غصب وفعل مثل ذلك لا يقر بالحق ولا يعترف بجميع ما أخذ إذا كان كذلك كان كمن كتم ولم يقر بشيء، فإن القول قول المغصوب منه ما لم يأت بما لم يشبه إلا أن يأتي الغاصب تائبا فيكون القول قوله، والقول قول المنتهب منه إذا طرحها قبل معرفة ما فيها كان القول قول ربها؛ لأن ربها يدعي التحقيق والآخر يقول عن تخمين، هذا إذا تقاربا في الدعوى، فإن تباين ذلك فقال هذا: كان قدر مائة، وقال الآخر: كان فيه قدر ثلاثمائة، كان القول قول المنتهب. وعلى قول مطرف وابن كنانة: القول قول المنتهب منه. وإن قال: غصبني هذا العبد، وقال الآخر: بل هذا، أو قال: بل هذا الثوب، كان القول قول الغاصب. وإن اتفقا على أنه غصب عبدا، واختلفا في صفته وقد هلك كان القول قول الغاصب إذا أتى بما يشبه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أتى بما لا يشبه، فقال ابن القاسم: لا يقبل قوله . وقال أشهب فيمن غصب جارية وقال: كانت صماء بكماء عمياء، قبل قوله . والأول أحسن فلا يكاد يوجد اجتماع هذه العيوب ويرغب الآخر في غصبها، وإذا غرم الغاصب على الصفة التي حلف عليها، ثم ظهرت عند الغاصب، فقال ابن القاسم: إن ظهرت مخالفة للصفة خلافا بينا رجع عليه بتمام القيمة؛ لأنه إنما جحده بعض القيمة وليس له أن يأخذها إلا أن يعلم أنه أخفاها . [ ص: 5807 ]

                                                                                                                                                                                        وقال في المبسوط: يرجع في الجارية ويرد القيمة التي أخذ، وأرى إذا وجد الجارية عند الغاصب أن لصاحبها أن يأخذها كانت موافقة للصفة التي حلف عليها أو مخالفة، ويحمل على أنه أخفاها؛ لأنه قد علم رغبته فيها وتحامله عليها بالغصب ومن غصب يخفي فيحمل أن يده عليها حسب ما كانت حتى يعلم أنها خرجت من يده ثم عادت.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية