الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في إنكار الغصب]

                                                                                                                                                                                        وإن أنكر الغاصب الغصب وشهدت البينة باعترافه أو أنه غصب عبدا أو دابة ولم يثبت صفة، كان القول قول المغصوب منه مع يمينه ويستحق، وقيل: ليس له بعد يمينه إلا الوسط والأول أصوب؛ لأن على الغاصب أن يقر بصفة ويحلف عليها أو ينكل فيحلف الآخر ويستحق، فإذا جحد ولم يذكر صفة كان القول قول الآخر أنه كان على ما قال، ولا يحط عن ذلك الغاصب من غير يمين ولا من غير مناكرة أنه كان دون ذلك.

                                                                                                                                                                                        وإن غصب ثوبا فأتى به خلقا، وقال الآخر: كان جديدا، كان القول قول الغاصب مع يمينه ويسلمه، فإن وجد المغصوب منه بعد ذلك البينة أنه غصبه جديدا والثوب قائم بيده أو هلك أو باعه أو رهنه أو كان عبدا فأعتقه فإنه ينظر فإن كان اختلافهما ليغرمه ما بين القيمتين رجع عليه بما بين قيمته خلقا وجديدا من غير مراعاة لحال الثوب من وجود أو هلاك.

                                                                                                                                                                                        وإن كان اختلافهما ليضمنه فقال الغاصب: لا أضمن؛ لأنه كان خلقا كان للمغصوب منه أن يرجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه جديدا ثم ينظر في الثوب فإن كان قائما رده، وإن هلك كانت مصيبته من الغاصب؛ لأنه أكرهه [ ص: 5808 ] على رده إليه، والقول قول ربه مع يمينه أنه هلك ويرجع بالقيمة، وإن باعه سلم الثمن الذي باعه به، وإن لبسه فأبلاه غرم القيمة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا وهبه، فقال أشهب في المجموعة: لا شيء عليه؛ لأن الغاصب أباح ذلك له ظلما وعدوانا وجحودا ولكن يتبع الموهوب له فيأخذ منه إن وجد عنده أو قيمته يوم لبسه فأبلاه، فأما إن كان تلف عنده فلا شيء عليه أيضا ؛ لأنه لم يكن ضامنا له، وإن كان عبدا وأتى به معيبا وقال: هكذا غصبته فحلف ورده ثم ثبت أنه كان سالما رجع بقيمة العيب إذا كان اختلافهما ليأخذ قيمة العيب، وإن كان ليضمنه رجع بقيمته يوم الغصب وكانت مصيبته من الغاصب، فإن أعتقه لم يكن عليه -على قول أشهب- شيء.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في شاهدين شهدا على رجل أنه اشترى هذا العبد وهو ينكر فحكم بشهادتهما، فأعتقه أو باعه أو مات أو أبق ثم رجعا وأقرا بشهادة الزور: أنه يرجع عليهما بالثمن إذا مات أو أبق، ويغرم قيمته في العتق إن كانت القيمة أقل من الثمن، ويغرم الشاهدان ما زاد الثمن على القيمة . فأغرمه القيمة في العتق وهو خلاف لقول أشهب، وإن أخذ المغصوب منه العبد وهو لا يعلم بالعيب، ثم أعلم به بعد موت العبد أو إباقه أو بيعه أو عتقه كان له أن يرجع بقيمة العيب، وإن قال: إذا رجع بجميع القيمة؛ لأني لو علمت بالعيب لضمنته ولم آخذه نظر إلى العيب، فإن كان يرى أنه لا يضمن لأجله لخفته لم يصدق، وإن كان مثل ذلك العيب لا يقبله صدق به ورجع بالقيمة، وإن [ ص: 5809 ] أشكل الأمر حلف، ثم عاد الجواب إلى ما تقدم إذا ثبت أنه غصبه جديدا .

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد فيمن اكترى بعيرا وزاد عليه زيادة تعطبه فرده وقد أنقصه فنحره صاحبه ثم علم، كان بالخيار بين أن يرجع بما بين قيمته يوم تعدى ويوم أتى به أو بكراء الزيادة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو علم بذلك حين نحره لسلمه منحورا ويرجع بالقيمة إن أحب، وإن باعه حاسبه بالثمن الذي باعه به ورجع بفضل القيمة. [ ص: 5810 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية