الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الاستحقاق بعد الصلح

                                                                                                                                                                                        اختلف إذا كان الصلح على الإنكار، كالذي يدعي دارا فيصالح على عبد ثم يستحق أحدهما الدار أو العبد، فقال ابن القاسم: أيهما استحق انتقض الصلح، فإن استحقت الدار رجع في العبد، وإن استحق العبد رجع في دعواه في الدار .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: إن استحقت الدار لم يرجع في العبد؛ لأنه إنما دفع بما كان دفع من خصومة وإن استحق العبد رجع بقيمته .

                                                                                                                                                                                        وفي المجموعة: إن استحقت الدار بقرب ذلك رجع في العبد، وإن تطاول الأمر مما تهلك فيه البينات لم يرجع بشيء؛ لأنه يقول: قد كانت لي بينة فمنعتني بما أعطيتني القيام فلما هلكت بينتي قمت علي فليس ذلك لك .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن ادعى سدس دار فصالحه بعد الإنكار على شقص [ ص: 5864 ] أن الشقص يستشفع بقيمة السدس، فعلى هذا يرجع عند الاستحقاق في الدعوى كالبياعات .

                                                                                                                                                                                        وعلى قول سحنون يستشفع في الشقص بقيمته لا بقيمة السدس.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: لا يستشفع بشيء، وقول ابن القاسم: إذا استحقت الدار أنه يرجع في العبد أحسن؛ لأن المستحق من يديه يقول للمدعي: إن كنت محقا فهو شراء مني فعليك أن ترد العوض، وإن كنت مبطلا وتقول الآن: إنها داري لم يحل لك أن تتمسك بما تقر أنك أخذته بالباطل ولا وجه للقول أنه دفع خصومة؛ لأن المستحق من يده، يقول: أنت مقر أنك بائع مني وأنك أخذت ذلك على وجه المعاوضة فيكون له الرجوع وإن طال الأمر؛ لأنه يقول: إن كنت محقا فلا أكلفك أن تثبت ملكك وقد اشتريت منك.

                                                                                                                                                                                        وقول سحنون: إذا استحق العبد أحسن؛ لأن الصلح يكون في الغالب ببعض قيمة المدعى فيه فلم يجب أن يرجع بقيمة الدار ولا في الدعوى وهو بمنزلة الصداق والخلع والصلح عن الدم العمد؛ لأن ذلك لا يقصد فيه أن يستوفي قيمة الدار .

                                                                                                                                                                                        وإن استحق نصف العبد كان للمدعي على أصل ابن القاسم أن يرد الباقي ويرجع في طلبه أو يمسك ورجع في المطالبة بنصف الدار ثم ينقلب الخيار للمدعى عليه، فإن أحب أمضى الصلح في نصف الدار ويقول للمدعي: [ ص: 5865 ]

                                                                                                                                                                                        إن شئت تمسكت بنصف العبد على أن لا شيء لك أو ترده وترجع في الخصومة؛ لأني إنما قصدت بالصلح رفع الخصومة وإذا كنت تعود إلى أن تخاصمني كان علي في ذلك ضرر.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول سحنون: له أن يرجع بنصف قيمة العبد أو يرد الباقي لعيب الشركة ويرجع بجميع قيمته، وهو أقيس.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية