الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن بنى مسجدا ثم استحقت الأرض أو بنى دارا ثم ثبت أنها مسجد أو حبس على معين أو مجهول

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن بنى دارا مسجدا ثم استحقت الأرض: أن للمستحق أن يهدم ذلك، كمن أعتق عبدا ثم استحق أن العتق يرد، فكذلك المسجد .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عبدوس : قال سحنون: هذا إذا كان الباني غاصبا للقاعة، فأما إن بنى بوجه شبهة فإنه يقال للمستحق: أعطه قيمة البناء قائما، قال: قلت: كيف يعطيه قيمة البناء قائما والنقض لا يجوز بيعه لأنه حبس؟ فقال: تجعل القيمة في مثله ويجعل في مسجد .

                                                                                                                                                                                        قال: وقال سحنون بعد ذلك فيمن اشترى قاعة فبناها ثم ثبت أنها حبس قال : يقلع النقض، وهو قول ابن القاسم، ذكره في النوادر . قال: قلت: وكيف يقلع النقض وقد بنى بوجه شبهة؟ قال: فمن يعطيه قيمة بنيانه؟ [ ص: 5861 ]

                                                                                                                                                                                        قلت: فيكونان شريكين فأنكر ذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال بعض أصحابنا : إذا يكون هذا بيعا للحبس وهو يسمع فسكت، فقيل له: يعطيه مستحق الحبس قيمة بنيانه، فلم ير ذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال الشيخ -رحمه الله- : وقول ابن عبدوس في المسألة الأولى: أن يهدم البناء وإن كان بوجه شبهة هو الظاهر من قول ابن القاسم، ولو جاز أن يدفع قيمته لقال: إن كان البناء بوجه شبهة لم يهدم عليه، وقيل للمستحق: أعطه قيمته قائما أو يعطيك قيمة أرضك، وإن كان على وجه التعدي أعطاه قيمته مهدوما وبقي له قائما. وقول سحنون في هذا أحسن؛ لأن المستحق يأخذ بحق تقدم الحبس ويرده من أصله، فيكون له إذا تعدى أن يأخذ ما لا بد من نقضه وهدمه؛ لأن بناء المسجد لا يوافق بناء الديار، فما كان من ذلك لا يستغنى عن هدمه هدم وجعل في غيره، وما كان منه يستغنى عن هدمه أخذ قيمته وإن كان بوجه شبهة وأبى المستحق من دفع قيمة البناء، والآخر من دفع قيمة الأرض كانا شريكين، فإن حمل القسم وكان فيما ينوب الحبس ما يكون مسجدا قسم، وإن لم يحمل القسم ولم يكن فيه ما يكون مسجدا بيع وجعل في مثله وأما إذا تقدم الحبس فبنى أرضا دارا ثم ثبت أنها مسجد لم يكن للباني قيمته قائما؛ لأن [ ص: 5862 ] الحبس تقدم بوجه صحيح، وإن ثبت أن القاعة حبس على معينين قيل للمحبس عليهم أعطوه قيمته قائما، ويكون لكم الانتفاع به إلى وقت يسقط حقكم في الحبس بالموت أو بانقضاء الأجل إن كان مؤجلا، فإن رجعت الأرض إلى من حبسها كان لورثة المحبس عليهم أن يأخذوا قيمة ذلك قائما كما كان لوليهم؛ لأنهم يحلون محله، فإن أبى كانوا شركاء معه بقدر ذلك، وإن أبى المحبس عليهم أن يعطوه قيمة البناء قائما قيل لمالك الأرض: أعطه قيمة ذلك قائما ويكون شريكا مع المحبس عليهم بقدره، فإن أبى كان الباني شريكا بقدر قيمة البناء قائما فما نابه سكنه أو باعه وما ناب المحبس عليهم سكنوه، فإذا انقضى حقهم في الحبس عاد ذلك القدر إلى المحبس، وهذا على أحد قولي مالك أن الحبس على المعين يعود ملكا، وأما على القول أن مرجعه مراجع الأحباس، فإنما يعطيه قيمته قائما على أنه يبقى إلى انقضاء حق من حبس عليهم ثم يهدم، كما تقدم في أول الكتاب في الإجارة.

                                                                                                                                                                                        وأما على قول سحنون: أن الحبس وغيره سواء فيجوز للباني أن يعطي قيمة الأرض إذا لم يعطه قيمة البناء وتجعل القيمة في مثله. [ ص: 5863 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية