الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قسم الثمار والزرع والبقل واللبن

                                                                                                                                                                                        قال مالك: لا يقسم الثمر حتى يحل بيعه، فيقسم كيلا ولا يقسم الزرع فدادين ولا مزارعة ولا قتا ولا يقسم إلا كيلا، وإن طاب التمر والعنب ولم تختلف حاجتهم، وكان جميعهم يريد الجذاذ يابسا أو الأكل رطبا أو البيع لم يقسم في رؤوس النخل، وإن اختلفت حاجتهم فأراد أحدهم أن يأكل رطبا والآخر أن يثمر جاز القسم بالخرص إذا وجد من يعرف ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وأرى إن أراد أحدهم أن يبقى نصيبه لييبس والآخر البيع لم يقسم؛ لأن المشتري يبقي نصيبه لمثل ذلك، وإطلاق البيع يقتضي البقاء حتى ييبس، وإن أراد أحدهما أن يبقى نصيبه والآخر الجذاذ للأكل قسما ما يقابل ما يراد جذاذه، وإن أراد أحدهما أن يبيع نصيبه والآخر الجذاذ فكذلك يقسمان ما يراد جذاذه، وكان من أراد الجذاذ بالخيار بين أن يقاسم شريكه الآن أو يؤخر ذلك فيقاسم المشتري، وإن جذ البسر وهو عراجين وكان إن نشر لم يفسد لم يقسم بالخرص، وإن كان يفسد قسم إن اختلفت الحاجة، وإن كان البيع على الجذاذ أو كان غرض المشتري أن يجذه لم يقسم قبل، إلا أن تختلف الحاجة لكثرة عيال أحدهما وقلة عيال الآخر. [ ص: 5891 ]

                                                                                                                                                                                        والقسم يجوز على التعديل، وعلى أن يفضل أحدهما الآخر على وجه المكارمة، فيأخذ مما خرصه عشرة أوسق والآخر ما خرصه خمسة؛ لأن ذلك معروف. كما جاز أن يأخذ أحدهما من صبرة؛ بينهما ستين والآخر أربعين، إلا أن يكون فضل الكيل لمكان الدناءة ، ولا يقسم البلح الكبير متفاضلا.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يقسم على الاعتدال بالخرص إذا اختلفت الحاجة؟ فأجازه ابن القاسم، قال: والخرص بمنزلة الكيل، وقد قبض كل واحد ما صار له فلا بأس بهذا القسم وإن لم يجذ الذي حاجته للأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة إذا لم يتركه حتى يزهي ، أنكر ذلك سحنون، وقال: المشتري يجذ ، فقد اجتمعا على الجذاذ، والأول أصوب؛ لأن المشتري يجذ نصيبه مرة أو مرتين ليدرك به الأسواق، والآخر يجذ شيئا بعد شيء على قدر حاجته وعياله وكذلك إن لم يبع واحد منهما، واختلفت حاجتهما لفضل عيال أحدهما على الآخر جاز أن يقتسما بالخرص القدر الذي يحتاج إليه أكثرهما عيالا لأنا إن قصرنا أكثرهما عيالا على ما يحتاجه الآخر أضر به وإن كلف الآخر أن يجذ كثيرا على قدر ما يحتاج إليه صاحبه فسد عليه وإن جذ أحدهما وأبقى الآخر نصيبه حتى أزهى انتقض القسم، وكان الذي أزهى وقيمة الذي لم يزه شركة بينهما والقيمة يوم كان جذ [ ص: 5892 ]

                                                                                                                                                                                        على أنه مجذوذ وليس على الرجاء والخوف؛ لأنه جذه بإذن شريكه فأجاز قسمة البلح الصغير متفاضلا؛ لأنه لا يدخر.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل له حكم الطعام؟ فقال مالك: هو علف . وقال ابن القاسم هو بمنزلة البقل ، وأرى أن ينظر إلى العادة فيه في ذلك الموضع، فإن كانوا يريدونه للعلف واستعماله للأكل قليل ونادر كان له حكم العروض، وإن كانوا يريدونه للأكل وغيره نادر وكان استعماله في كليهما كثيرا كان له حكم الطعام، وإذا كان على حكم العلف جازت المقاسمة، وإن لم تختلف الحاجة وإن جذ أحدهما وأبقى الآخر إلى الإتمام ، وإذا كان ذلك على حكم الطعام لم تجز المقاسمة إلا أن يجذا معا، ويجوز متساويا ومتفاضلا إلا أن تختلف الحاجة فلا بأس أن يجذ أحدهما دون الآخر.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: فإن اقتسماه ولم يجذا حتى صار بلحا كبيرا لم ينتقض القسم إذا كانا اقتسماه على التعديل وكان لا يختلف الآن، وإن كانت القسمة على التفاضل وكان إذا كبر تفاضل، نقضت القسمة إلا أن يزهي فتنقض إن لم يكن يتفاضل، وإن جذ أحدهما نصيبه حين المقاسمة وترك الآخر حتى كبر ولم يزه لم ينتقض القسم . [ ص: 5893 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية