الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في التداعي في القسم والبيع

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: إذا اقتسم أهل الميراث وادعى أحدهم الغلط، لم يقبل قوله إلا بأمر يستدل به ببينة أو تفاحش ذلك أنه غلط لا شك فيه، فيكون القول قوله مع يمينه كبيع المرابحة يدعي البائع وهما فلا يقبل قوله إلا ببينة أو يأتي من رقم الثوب ما يستدل به أنه غلط.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: دعوى الغلط بعد القسمة على أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يعدلا ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذا ذلك بغير قرعة، ثم يدعي أحدهما غلطا فهذا ينظر إليه أهل المعرفة فإن كانا سواء أو قريبا من السواء وإلا نقض القسم، وكان القول قول من ادعى الوهم والغلط.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يقولا هذه الدار تكافئ هذه وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر القيمة، ثم يقترعان أو يأخذان ذلك بغير قرعة فالجواب فيه كالأول؛ لأن مفهوم ذلك القصد إلى التعديل والمساواة في القيم، وكذلك إذا قالا هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هؤلاء العبيد، ثم أخذ كل واحد منهما أحد الصنفين بالتراضي بغير قرعة، ثم يتبين أن القيم مختلفة. [ ص: 5918 ]

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يقول أحدهما خذ أنت هذه الدار أو هذا العبد وآخذ أنا هذه الدار أو هذا العبد من غير تقويم ولا ذكر مكافأة، فإن كانت القسمة بالتراضي مضت المغابنة على من كانت في نصيبه كما تمضي في البيع، إلا على قول من لم يمض المغابنة في البيع وإن كانت القسمة بالقرعة وهما عالمان بما بينهما من المغابنة كانت فاسدة فتفسخ بالجبر وإن لم يدع واحد منهما إليه؛ لأن القرعة على ذلك غرر، وإن كانا يظنان أنهما سواء كانت جائزة والقيام في ذلك كالعيب، فإن قام بذلك من عنده ذلك العيب فسخت وإن رضي به مضت.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يختلفا في الصفة التي وقعت عليها القسمة مثل أن يتقاسما عشرة أثواب فكان في يد أحدهما ستة أثواب وقعت عليها القسمة، وقال: هي نصيبي وعلى هذا اقتسمنا، وقال الآخر: هذا الواحد منها لي وقد كانت قسمتنا خمسة وخمسة وإنما سلمته غلطا فاختلف فيه على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: القول قول الحائز له مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يتقاسم الناس عليه؛ لأن الآخر أقر بالقسم وادعى ما في يد صاحبه . [ ص: 5919 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: القول قول الحائز له إذا أقر الآخر أنه سلمه إليه عطاء ولا يمن عليه، كان قال: سلمته على وجه الإيداع، كان القول قوله مع يمينه إن قاسمه خمسة وخمسة ، ثم يكون الآخر بالخيار بين أن يسلمه أو يحلف أنه قاسمه ستة وأربعة ويتفاسخان القسمة كلها. وقال محمد بن عبدوس: يتحالفان ويتفاسخان ذلك الثوب وحده ، وقال ابن حبيب: إن كانت القسمة بالتراضي لم ينظر إلى الدعوى وإن بان الغلط؛ لأنه كبيع المساومة فيلزمه التغابن وإن كانت بالقرعة على تعديل القيم لم يقبل قوله إلا أن يتفاحش الغلط فترد القسمة ، وأرى إن كانت القسمة بالقرعة أن ينظر إلى القيم فإن كانت متساوية على ستة وأربعة مضت ولا يمين لمدعي السادس، وإن كان التعديل فيها خمسة وخمسة كان القول قول مدعي الخامس؛ لأن الآخر ادعى أن القسمة فاسدة وأنها كانت بالقرعة على تفاضل، وإن كانت القسمة بالتراضي بغير قرعة نظر إلى الستة، فإن كانت تقابل الأربعة في القيمة أو تقارب ذلك، فإن أضيف السادس المتنازع فيه إلى الأربعة تباينت القيم لم يقبل قول مدعي الخامس؛ لأنه أتى بما لا يشبه فإن كان الاعتدال فيها خمسة [ ص: 5920 ] وخمسة لم يقبل قول من السادس في يديه؛ لأنه إذا كان الاعتدال خمسة وخمسة وعادت ستة وأربعة، تباين الفضل وصار من في يديه ستة قد أتى بما لا يشبه، والأصل إذا اختلف المتبايعان وأتى أحدهما بما لا يشبه، لم يقبل قوله كانت السلعة قائمة أو فائتة، وكان ها هنا من في يديه السادس بالخيار بين أن يسلمه بعد يمين مدعيه أو يتحالفا ويتفاسخا جميع القيمة ؛ لأن جملة ذلك بعضه ثمن لبعض، فإن أشكل الأمر مع بقاء القسمة ستة وأربعة كان القول قول من هو في يديه إذا أقر الآخر أنه سلمه على وجه الغلط؛ لأنه أقر أنه سلمه على وجه الملك فلا يقبل قوله في غير ذلك، وإن قال على وجه الإيداع تحالفا وتفاسخا قال ابن القاسم: وإن اختلفا في بيت من الدار وليس البيت في يد واحد منهما تحالفا وتفاسخا القسمة كلها، وإن كان حازه أحدهما كان القول قول الحائز مع يمينه فإن نكل حلف الآخر وأخذه، قال: وإن اختلفا في حد الدار فقال أحدهما: الحد من ها هنا ودفع عن جانبه، وقال الآخر: الحد من ها هنا ودفع إلى جانب صاحبه، نظر فإن كان قسمة الساحة والبيوت معا فسخ جميع القسم وإن قسمت الساحة ناحية تحالفا وتفاسخا في الساحة وإن ادعى أحدهما معرفة الحد وشك الآخر، كان القول قول من ادعى التحقيق واختلف في يمينه، وإن شكا قسما ما شكا فيه . [ ص: 5921 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية