باب في الشهيد هل يغسل، أو يكفن أو يصلى عليه
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بقتلى أحد فدفنوا على هيئتهم ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم. وقال في الشهيد في المعترك: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه. مالك
ولا خلاف في المذهب في ذلك إذا مات بحضرة القتل بأرض الحرب. واختلف إذا لم يمت بفور القتل، وإذا قتله العدو بأرض الإسلام، وهل يزاد على ما عليه؟ وفيما ينزع عنه؟
فأما حياته بعد القتال، فقال مالك: إن عاش فأكل أو شرب، أو عاش حياة بينة غسل وكفن وصلي عليه، وإن كان إنما هو رمق وهو في غمرات الموت فلا يغسل ولا يصلى عليه. وقال أشهب: إنما ذلك فيمن مات في المعترك فقضى، فأما من حمل إلى داره فمات، أو مات في أيدي الرجال، أو بقي في المعترك حتى مات، فإنه يغسل ويصلى عليه، وقال إذا بقي في المعترك وكانت له حياة بينة حتى لا يقتل قاتله إلا بقسامة غسل وصلي عليه، وقال [ ص: 684 ] سحنون: ابن القصار: إذا عاش يوما أو أكثر فأكل أو شرب غسل وصلي عليه.
فأما قول فليس بالبين; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على قتلى أحد وهم سبعون. والغالب أن موتهم مختلف فلم يفرق. أشهب
وقد قيل: إن ترك الصلاة عليهم; لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فعلى هذا يكون قول حسنا; لأنه مات بقتل العدو فدخل بذلك في عموم الآية بخلاف من لم تنفذ مقاتله؛ لإمكان أن يكون مات من غير ذلك، ولأنه لو كان ذلك القتل من مسلم لم يقتل قاتله إلا بقسامة. سحنون
وقال إذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين فدفع المسلمون عن أنفسهم أنه يصنع بهم ما يصنع بالشهداء. وقال في العتبية: إن قتلوهم في منازلهم في غير معترك ولا ملاقاة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، بخلاف من قتل في المعترك، وقال ابن القاسم: هم بمنزلة من قتل في المعترك. ابن وهب:
وقاله أصبغ قال: وكذلك إن غافصوهم أو قتلوهم وهم نيام، [ ص: 685 ] وكذلك إذا كانت فيهم امرأة أو صبي صغير قتلوا بسلاح أو غيره، يفعل بهم ما يفعل بالشهيد، وقال ابن شعبان: الشهيد من قتل بأرض الحرب خاصة، من الرجال والنساء والصبيان.
فحمل الأمر على عمومه فيمن قتله العدو، وحمل ابن وهب ذلك فيمن نزل به ما نزل بمن لم يصل عليهم، وأنهم كانوا في ملاقاة، فما خرج عن ذلك بقي على الأصل في الموتى أنهم يغسلون ويصلى عليهم، ولم يفرق بين أن تكون الملاقاة بأرض الحرب أو بأرض الإسلام، وقد كان قتلى أحد بأرض الإسلام وكان العدو هو الزاحف إليهم، وقد صلي على ابن القاسم -رضي الله عنه- وكان القاتل له كافرا، فيحتمل أن يكون ذلك; لأنه قتل في غير معترك، أو يكون ذلك; لأنه عاش وأكل وشرب وإن كان قد أنفذت مقاتله، أو يكون لأنهم رأوا أن ترك الصلاة على الشهيد منسوخ؛ لما روي عمر بن الخطاب أخرجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج إلى قتلى أحد قبل موته فصلى عليهم صلاته على الميت. البخاري ومسلم.
وسئل عن غسل الشهيد فقال: قد غسل عمر وكفن وحنط وصلي عليه، وكان شهيدا. [ ص: 686 ] ابن عمر