الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في منازل الأولياء في التقدم على الميت الواحد والوصي والسلطان

                                                                                                                                                                                        الصلاة على الميت إلى الأولياء، وأولاهم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم ابنه وهو الأخ، ثم ابن الأخ، ثم الجد، ثم ابنه وهو العم، ثم ابن العم وإن سفل، ثم المولى الأعلى، وكل هؤلاء أولى من الزوج، والزوج أولى منهم بغسلها وإنزالها في قبرها، وهذا قول مالك وأصحابه، وأنزلوا هذا منزلة التعصيب والقيام بالدم، وأرى أن يندب ابن الميت أن يقدم أبا الميت; لأنه جده، واستحب لأخي الميت أن يقدم جده، ولا ينبغي أن يتقدم ولد الولي جده; لأنه أب كما لا يتقدمه في صلاة الفريضة، إلا أن يكون الابن أو الأخ ممن له الفضل والصلاح، وليس كذلك الجد.

                                                                                                                                                                                        وإن اجتمع ولي ومن أوصاه الميت بالصلاة عليه كان الموصى إليه بالصلاة أولى; لأن ذلك من حق الميت وهو أعلم بمن يستشفع له، قال مالك في العتبية: إلا أن يعلم أن ذلك كان من الميت لعداوة بينه وبين ولده، وإنما أراد أن يغيظه، فلا تجوز وصيته، يريد: إذا كان الولي ممن له دين وفضل، وإلا كان الموصى إليه أولى; لأن الولي إذا لم يكن معروفا بالخير، وكانت العداوة; اتهم في [ ص: 681 ] التقصير له في الدعاء، وإذا لم يكن له ولد وكان ابن عم مع العداوة كان ذلك أبين، وأرى إذا كان الولي معروفا بالدين والفضل أن يقدم على الموصى له وإن لم تكن عداوة; لأن في تقدمة الأجنبي وصما على الولي.

                                                                                                                                                                                        وإن كان موصى إليه على الصلاة وسلطان كان الموصى إليه أولى; لأن ذلك من حق الميت وهو الناظر لنفسه.

                                                                                                                                                                                        وإن كان ولي وسلطان كان السلطان أولى إذا كان الأمير الأعلى. واختلف فيمن سواه على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: الولي أولى، وإنما ذلك للأمير الذي تؤدى إليه الطاعة دون من إليه الصلاة من قاض أو صاحب شرطة أو خليفة الوالي الأكبر.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المدونة: ذلك إلى أمير المصر إذا حضر، وكذلك القاضي وصاحب الشرطة إذا كانت إليهما الصلاة. قال في المجموعة: فإن كان القاضي لا يصلي فليس بأحق، قال سحنون: وكذلك أمير الجند إذا كانت له الخطبة، والقاضي إذا لم تكن له الصلاة كغيره من الناس، وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الأولياء، إذا كان إليه سلطان الحكم من قضاء، أو شرطة، وإلا فهو كسائر الناس. فلم يجعل ذلك إليه إلا باجتماع [ ص: 682 ] شيئين: أن تكون بيده أسباب السلطنة وهو القضاء أو الشرطة، والآخر: أن يكون الأمير الأعلى جعل ذلك إليه وهذا راجع إلى الاختلاف في الولي الأقرب يجعل ما بيده من الصلاة للأجنبي، فقيل: ذلك له وإن كره الأبعد.

                                                                                                                                                                                        وقيل: ليس ذلك له، والأبعد أحق، وكذلك السلطان هو بنفسه أحق، فإن جعل ذلك إلى غيره كان الولي أولى على أحد القولين.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الابن أو الأخ أو غيرهما من الأولياء غير بالغ كان كالعدم، ليس إليه صلاة ولا استخلاف، وذلك إلى من بعده من ولي لو لم يكن هو، فإن لم يكن ولي فأحد صالحي المؤمنين. [ ص: 683 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية