فصل [في حد الحرابة هل على التخيير للإمام في المحارب؟]
اختلف عن في العقوبات الأربع التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه في المحارب، هل هي على التخيير في المحارب الواحد، ويوقع به الإمام أيها شاء، أو يكون ذلك على الترتيب دون التخيير؟ فجعل مالك ذلك مرة على الترتيب، وعلى قدر جرم المحارب، فقال: إذا أخذ ولم يخف السبيل ولم يأخذ [ ص: 6139 ] مالا ولا قتل، يؤخذ فيه بأيسره. قال مالك وأيسره وأخفه أن يجلد وينفى ويسجن في الموضع الذي ينفى إليه. وإن كان قد أخاف ولم يأخذ مالا، أو أخذ المال ولم يخف، أو جمع أخذ المال والخوف، كان فيه بالخيار بين القتل والقطع، ولم ير أن يؤخذ فيه بأيسره، وكذلك إذا طال أمره ونصب ; إلا أنه لم يأخذ مالا، فهو فيه بالخيار بين القطع أو القتل، ولم ير أن يؤخذ في هؤلاء بأيسره. وإن كان قد طال زمانه، وعلا أمره، فأخذ المال; إلا أنه لم يقتل، فإنه يقتله ولا تخيير له في ذلك . ابن القاسم:
وروى عنه أن ذلك ليس على الترتيب. فقال في ابن وهب فإن السلطان يرى فيه رأيه في القتل، أو الصلب، أو القطع، أو النفي. قال: ويستشير في ذلك . وقال المحارب يقطع الطريق، وينفر الناس في كل مكان، ويعظم فساده في الأرض، وذهب بأموال الناس، ثم يظهر عليه: في أشهب وكذلك إذا عظم فساده وأخذ الأموال، إلا أنه لم يقتل، أنه بالخيار. وهذا نحو رواية الذي أخذ بحضرة ما خرج ولم يخف، ولم يأخذ مالا: أن للإمام أن ينفيه أو يقطعه أو يقتله، أن القليل الجرم والكثير سواء . ابن وهب
وكل هذا ما لم يقتل، فإذا قتل، قتل وإن لم يكن أخذ مالا، ولم يخير فيه [ ص: 6140 ] الإمام، ولم يكن له أن يقيم فيه غير القتل، ولم يختلف في ذلك قول أنه استحق القتل بقوله -عز وجل-: مالك أن النفس بالنفس [المائدة: 45]. وزاد الفساد في الأرض بالحرابة، وقطع السبيل، وجعله فيه بالخيار وإن قتل، فقال: أبو مصعب قتل المحارب أو لم يقتل، أخذ مالا أو لم يأخذ، فالإمام مخير في ذلك: إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطعه، وإن شاء نفاه، ونفيه حبسه حتى تظهر توبته. إذا أخذ المحارب المخيف للسبيل، كان الإمام فيه مخيرا في أي الحدود التي أمر الله سبحانه فيه،
والذي أختاره فيمن أخذ بالحضرة قبل أن يظهر أمره، وقبل أن يأخذ مالا- أن يعاقب بالضرب والسجن من غير نفي; لأنه لم يدخل بذلك من المحاربين بعد، وإن قتل، أن يقتل من غير خيار; لأن القتل بانفراده يبيح دمه، فالحرابة إن لم تزد حكما- لم تحط منه، فإن كان قد أخاف ولم يأخذ مالا، أو أخذ المال ولم يخف، أو جمع الأمرين، أن يكون للإمام أن يقيم عليه أحد الأحكام الأربعة أيها شاء ، وإن كان تختلف أحوال الفاعلين من الحرابة وغيرها، فإن إنزال كل واحد في منزلته على قدر حاله من باب أولى، وليس أنه متعد من خالف ذلك. [ ص: 6141 ]