باب في صفة القطع، والقتل، والصلب، والنفي
وقد طعن يقتل المحارب على الوجه المعتاد والمعروف بالسيف أو بالرمح، المحارب ، ولا يقتل على صفة يعذب بها، ولا بحجارة، ولا برمي بشيء من نبال ، ولا غير ذلك، وإن رأى صلبه; صلبه قائما، ولا يصلب منكوسا، وينبغي أن تطلق يداه; لأن له في ذلك بعض الراحة إلى أن يموت، وإن لم تطلق فلا بأس. عبد الملك بن مروان
وظاهر القرآن أن والمذهب على أنه مضاف إلى القتل، وليس أن يصلب ولا يقتل. ووقع الصلب حد قائم بنفسه كالنفي، في بعض المواضع أنه قال: يقتل، أو يصلب، أو يقطع، أو ينفى مثل ظاهر القرآن. لمالك
وقال يصلب، ثم يقتل مصلوبا يطعن. وقال ابن القاسم: يقتل ثم يصلب ، ولو صلبه ثم قتله مصلوبا ، كان ذلك له إذا بلغ ذلك جرمه. قال أشهب: محمد: ولو . حبسه الإمام ليصلبه، ثم مات في الحبس، لم يصلبه، ولو قتله إنسان في الحبس، فإن الإمام يصلبه
واختلف في بقائه مصلوبا، فقال لا يمكن أهله [ ص: 6142 ] من إنزاله، ويبقى حتى يفنى على الخشبة، أو تأكله الكلاب. وقال عبد الملك بن الماجشون: لا بأس أن يخلى لأهله ينزلونه، ويصلى عليه ويدفن . وقال أصبغ: في كتاب ابنه: سحنون وقال أيضا: إن رأى الإمام أن يبقيه اليومين والثلاثة لما رأى من تشديد أهل الفساد فذلك له، ولكن ينزله فيغسله أهله، ويكفن ويصلى عليه، ثم إن رأى الإمام إعادته إلى الخشبة أعاده . إذا قتل وصلب، أنزل من ساعته فيدفع إلى أهله للصلاة عليه ولدفنه.
، تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وإن حارب بعد، فرأى الإمام أن يقطع ولا يقتل، قطع الباقي منه، وهو اليد اليسرى والرجل اليمنى. والقطع في عضوين يد ورجل من خلاف كما قال الله -عز وجل- في كتابه
واختلف إذا كان أقطع اليد اليمنى أو الرجل اليسرى، فقال في ابن القاسم . وخالف أقطع اليد اليمنى: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، ليكون من خلاف، وكذلك إذا كان أقطع الرجل اليسرى وحدها ، لم تقطع اليد اليمنى، ولكن تقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى، ليكون من خلاف في السؤالين جميعا، فقال في أقطع اليد اليمنى: تقطع الرجل التي كان يبتدأ بقطعها معها ، وهي اليسرى، ثم يبدأ باليسرى ، وكذلك إذا كان قائم اليدين أقطع [ ص: 6143 ] الرجل اليسرى، فإنه تقطع اليد اليمنى، والرجل اليمنى، فيصير في السؤالين جميعا مقطوعا منه شق واحد، وليس من خلاف. أشهب
قال محمد: وإن لم يكن له إلا يد واحدة أو رجل واحدة، قطعت، وإن لم يكن له إلا يدان، قطعت اليد اليمنى وحدها . وعلى قوله إن لم يكن له إلا رجلان، قطعت الرجل اليسرى وحدها ، وقد تقدم ذكر النفي والاختلاف فيه، وهل هو أن يخرج لغير بلده فيسجن فيه، أو يسجن في بلده ولا يخرج، أو أن ذلك أن يطلب ليقام عليه الحد بالقطع، أو القتل، أو الصلب؟
والقول الأول أبين، وهو المعروف والمعهود من اللسان، أن النفي التغريب، ويراعى في ذلك الضرب وصفته، والنفي إلى غير بلده وسجنه، ومقامه في السجن، فأما ضربه قبل النفي فاستحسان كما قال لأنه زيادة على النص، وليس لضربه حد، وذلك على ما يرى أن فيه عقوبة لجرمه وزجرا لغيره، وكذلك سجنه ليس هو محدودا بوقت يخرج عنده، فيسجن وإن طالت سنونه حتى تعرف توبته، وذلك لما يتقرر في النفس من غالب أمره أنه رجع عما كان، ولا يقبل ذلك بمجرد الظاهر; لأنه كالمكره في كونه في السجن، فهو يظهر التوبة والنسك والخير ليخلص من السجن ، فلا يعجل بإخراجه عندما يظهر ذلك، ولو علم من إنسان التوبة حقيقة قبل أن يطول سجنه - لم [ ص: 6144 ] يخرج; لأن طول سجنه أحد الحدود الأربعة، فإخراجه قبل ذلك بمنزلة من أقيم عليه بعض الحد. أشهب;
وأما بعد الموضع الذي يخرج إليه، فقال نفى ابن القاسم: من عمر بن عبد العزيز مصر إلى شغب . قال محمد: وأمر أن يعقد في أعناقهم الحديد، ثم ينفوا إلى شغب . قال في كتاب ابن القاسم محمد : وأسوان عندي منتفى ودونها أيضا إذا حبس فيها. قال: وذكر أن - رضي الله عنه - نفى إلى عمر بن الخطاب البصرة من المدينة، وإلى فدك وخيبر . وقال ليبعد عن موضعه الذي أصاب فيه ذلك الذنب ويقصى عن أهله. أصبغ:
قال الشيخ -رحمه الله-: ويضيق عليه ألا يدخلوا إليه إلا في وقت ضرورة . وأرى أن يقام عليه الحد بالقطع أو القتل، ولا يقام عليه النفي. وإن عوقب في الأول بالقطع، ثم عاد إلى المحاربة، فإن كان بالأمر الضعيف ورجوا أن يكون في نفيه صلاحه، فعل ذلك به ، وإن كان متماديا على حرابة، فالقطع من خلاف أو القتل، وإن قطع في [ ص: 6145 ] الثانية ثم حارب، قتله أو نفاه، والنفي أولى من القتل إذا ضعف فساده وجرمه، لأجل قطع قوائمه الأربع، وكذلك في إذا عوقب المحارب بالنفي ثم عاد رجاء أن يتوب، فتكون الوفاة على عمل صالح أفضل. كل محارب يرجى صلاحه مع عقوبته بغير القتل، فإن عقوبته بغير القتل أحسن،