الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا صحت التوبة سقط حق الله في العقوبات ولم يسقط حق الآدميين]

                                                                                                                                                                                        وإذا صحت التوبة، سقط ما كان يجب لله سبحانه من العقوبات الأربع، ولم تسقط حقوق الآدميين، فيغرمون ما أخذوه من مال، ويقتص منهم، ويعود القتل حقا لأولياء القتيل حسبما كان لو قتل في غير حرابة، فيكون بالخيار بين القتل، أو العفو وأخذ الدية، وإذا أحبوا القتل، قتلوا على صفة القتلة الأولى بسيف كان أو بخنق أو بحجر.

                                                                                                                                                                                        وإن كان عبدا وعفوا، كانت جنايته في رقبته، وإذا لم يتب وأقيم عليه الحد فلا يتبع إذا كان معسرا، كالسرقة إذا قطع وهو معسر. قال محمد: وإذا قطع أو نفي لم يتبع . وليس ذلك بالبين إذا نفي ولم يقطع.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يتبع، قياسا على الزاني إذا اغتصب امرأة، فإنه يضرب ويغرم الصداق، وإن جرحوا لم يقتص منهم، وإنما هو قطع أو قتل، وكذلك إذا قتلوا، الأمر إلى الإمام، وليس لولي القتيل عفو، ولا قود. وإن رأى الإمام ألا يقتلهم، ومكن أولياء القتيل منهم فعفوا- لم يجز عفوهم، ونقض فعل الإمام واقتص منهم، وهذا إذا قتلوا على وجه الحرابة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قتلوا على غيلة، ورأى الإمام أن يمكن أولياء القتيل منهم، [ ص: 6148 ] فعفوا على مال أو بغير مال ، فقال ابن القاسم: ذلك ماض، فإن ولي قاض آخر لم ينقضه، وهو حكم مضى; لأنه مما اختلف الناس فيه . وذكر محمد عن ابن القاسم أنه أجاز فعل الحاكم إذا أسلم إلى أولياء القتيل في الحرابة، وعن أشهب: إن الحكم بذلك ينقض كالذي قاله ابن القاسم في العتبية.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تابوا وكانوا أخذوا المال وقتلوا، هل يقتص ممن لم يقتل منهم أو يؤخذ المال ممن لم يأخذه؟ فقال ابن القاسم في المدونة إذا قتل واحد إلا أنهم كانوا أعوانا له في ذلك: يقتلون كلهم. قال: وقد ذكر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به" . قال مالك: وإن أخذ المال من جميع القوم رجل واحد، والآخرون وقوف إلا أنه بهم قوي، ثم تابوا وقد أخذ أحدهم حصته من ذلك المال، غرم جميع المال .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: لا يقتل إلا القاتل وحده، أو معين، أو ممسك أمسكه له وهو يعلم أنه يريد قتله، وأما غيرهم فإنه يضرب كل واحد منهم مائة ويحبس سنة، وأما قول عمر - رضي الله عنه - فإنهم كانوا قتلوه غيلة . وقال [ ص: 6149 ] عبد الملك بن الماجشون: إن كانوا لا يقدرون على ذلك إلا بالتعاون وبالكثرة فمن أخذ منهم، كان عليه جميع ما ذهب، وإن كان موضعا يقوى عليه الواحد والاثنان، فيلزمه ما يلزمه مع جماعتهم . [ ص: 6150 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية